بَعدَ استقراءِ مَداخِل العَقلِ الاستراتيجيّ الإسرائيليّ.. كَيفَ يُمكِنُ قراءةُ مآلات و سيناريوهات الأحداث القادِمةِ في غَزّة؟
تقرير خاص "بث"
إعداد - مروة شاهين
مع كلّ تصعيد أو توتر جديد يَطالُ القضايا العربية و خصوصاً قضية فلسطين، تعلوا بين الرأي العام العربي موجات الاستنكارِ تارّة و الأمل تارةً أخرى، لكن كما جرت العادة، فإنه سرعان ما يتلاشى الأمل ليحل محله الألم، و لتُسبدل أحلامُ الانتصار و التحرير بمُجردْ آمال النجاة من الهزيمة المتربصة بالواقع العربي، و في الحقيقة إنه لا يُمكن تفسير هذه الدائرة المفرغةِ من أحلام الانتصار التي يتبعها رجاء النجاة من الهزيمة، إلا من خلال عبارة واحدة، و هي أن من لا يتّعِظُ من التاريخِ فما لهُ من واعِظ..
فعلى مدار ما يقرب الثمانين عاماً من الصراع العربي مع الكيان الإسرائيلي، لم يهتم الشارع العربي بمفكريه و مثقفيه بفهم العقل الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يرسم سياسات هذا الكيان المستحدث الذي أرهق العرب منذ بدايات القرن الماضي، أي منذ بدايةِ حصولهم على الاستقلال و انشاء دولهم الخاصة، إذ كانت المسألة الإسرائيلية من أهم القضايا التي وقفت حجر عثرة في وجه تحقيق نهضة عربية لأسباب عديدة أهمها:
1- إن الدول العربية خاضت منذ نعومة أظافرها حروباً ضد قوى غير متكافئة معها في القوة ( حرب عام ٤٨ ضد العصابات اليهودية المدعومة من سلطة الانتداب البريطاني) ، حيثُ أثرت الهزيمة التي مُنيَ بها العرب على تكوين الروح القومية و الثورية لدى شعوب هذه الدول، و زرعت فيهم خيبة الهزيمة منذ بداية النشأة.
2- إن الموقف العربي المعارض للكيان الإسرائيلي أثر بشكل كبير على على علاقات الدول العربية مع الدول الكبرى الداعمة لإسرائيل، ما حرم الدول العربية في بداية نشأتها من الاستفادة من علاقات ودية مع دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية و بالتالي الاستفادة من هذه العلاقات في التحالفات و الاستثمارات على غرار ما فعلت دول أخرى كدول أوروبا الغربية و اليابان و كوريا الجنوبية.
3- إن الصراع العربي الإسرائيلي كبدّ الدول العربية في بداية نشأتها أوزاراً اقتصادية لا قدرة لها على تحملها، حيثُ أُنفقت الثروات القومية في بادئ الأمر على التسليح و الجيوش بدلاً من التعليم و التنمية، ما أخر حصول تنمية و نهضة اقتصادية حقيقية في أغلب الدول العربية خصوصاً تلك التي خاضت حروباً مباشرة ضد إسرائيل، و تستمر هذه المشكلة حتى يومنا هذا، إذ أن الكثير من الإنفاق العسكري العربي موجه للمواجهة المحتملة مع إسرائيل، و من المعلوم أنه كل ما زاد الإنفاق على التسليح قلّ الانفاق على التنمية.
4- إن وجود كيان غريب في منطقة ذات طابع عربي شكل حجر عثرة في وجه إنشاء نظام إقليمي عربي مترابط على غرار الاتحاد الأوروبي، حيثُ تم الفصل بين الجزيرة العربية و شمال إفريقيا بفعل وجود الكيان الإسرائيلي كفاصل جغرافي بين مراكز ثقل التواجد العربي.
5- كانت الخلافات بين القيادات العربية حول كيفية التعاطي مع القضية الفلسطينية بدايةً لحالة من التنافر الشديد بين القيادات العربية، هذه التنافرات بين القيادات سرعان ما تطورت إلى حالات من التنافر و القطيعة على مستوى دول و ليس فقط على مستوى الحكام، في وقتٍ كانت فيه الدول العربية أحوج ما يكون إلى أجواء تسودها مشاعر الأخوّة و التلاحم و التعاضد.
6- إن تركيز الشعوب العربية على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، سمحت لأنظمة عسكرية بأن تنشأ و تركز حكمها و سيطرتها في بعض الدول العربية بحجة الحشد العسكري لمواجهة إسرائيل، ما جعل دولاً عربية ترزع تحت أنظمة عسكرية بوليسية دون أن يكون لها الحق في الاعتراض بحجة أن هذه الأنظمة تحضر للمعركة القادمة لتحرير فلسطين، و ها قد رأينا مآلات مثل هذه الأنظمة رأي العين، فالنظام السوري مثلاً الذي كان يعتبر نفسه حجر أساس في المقاومة و الممانعة ضد إسرائيل، لم يُسهم فقط في زيادة تعقيد الأزمة الفلسطينية، بل على العكس من ذلك، أدى هذا النظام إلى رزوح سوريا تحت الاحتلال الأجنبي ( الإيرانيين و غيرهم) بدلاً من تحرير فلسطين.
و الآن و بعد أعوامٍ على بدء هذا الصراع الذي لم يشهد هدنةً حقيقية منذ بدايته، لم تتمكن الدول العربية حتى الآن من الوصول إلى أرضية مشتركة بين بعضها البعض للوصول إلى خارطة طريق جماعية ترسم الخطى المستقبلية التي قد تعتمدها الدول العربية في مواجهة كافة القضايا التي تستشكل على الواقع العربي، و لا زالت الكثير من أخطاء الماضي تتكرر إلى يومنا هذا، لا سيما لجهة إهمال العديد من الدول العربية لمسألة التنمية الاجتماعية و الاقتصادية كسلاح محوري لا يمكن بدونه كسب اي صراع سواء كان اقتصادياً ام عسكرياً ام حضارياً، إضافة إلى حالة عدم الانسجام بين الكثير من الدول العربية حول كيفية التعامل مع مآلات و تداعيات القضية الفلسطينية و كيفية حلها و التعامل معها على المستوى العربي.
مداخِل إلى العقل الاستراتيجي اليهودي.. كَيفَ تبدو إسرائيل من الداخل؟ :
انقسام اليهود بين الصهيونية و معاداة الصهيونية:
الصهيونية هي حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق قارة أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر ودعت اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد (إيريتس يسرائيل) ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات.
وبعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948م أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها توفير الدعم المالي والمعنوي لدولة إسرائيل وقد عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في بازل بسويسرا ليتم تطبيق الصهيونية بشكل عملي على فلسطين فعملت على تسهيل الهجرة اليهودية ودعم المشاريع الاقتصادية اليهودية.
وقد ساهمت محرقة الهولوكوست في إقناع اليهود بأفكار الحركة الصهيونية بشكل كبير بدعوي المظلومية ودافعًا كبيرًا للهجرة والقتال لإقامة دولتهم اليهودية في فلسطين.
و تقسم المدارس الصهيونية كلها إلى فرقتين أساسيتين:
صهيونية استيطانية، وصهيونية تدعيمية.
والصهيونية الاستيطانية هي التي تهدف إلى تجميع اليهود وتوطينهم في فلسطين؛ أما الصهيونية التدعيمية فهي التي تهدف إلى تجنيد يهود العالم في أوطانهم المختلفة؛ لتحويلهم إلى جماعات ضغط تعمل من أجل الاستيطان والمستوطنين، وهي تهدف أيضاً إلى جمع العون المالي من يهود الشتات.
الصهيونية المسيحية.. و الدعم الغربي غير المشروط لإسرائيل:
الصهيونية المسيحية هو الاسم الذي يطلق عادة على معتقد جماعة من المسيحيين المنحدرين غالباً من الكنائس البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر. يعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشكلون جزءاً من اللوبي المؤيد لإسرائيل.
و يعتقد أتباع هذا الفكر أن أرض فلسطين التاريخية هي ملك أبدي للشعب اليهودي، وأن نبوءات الكتاب المقدس التي أعلنت عن عودة شعب الله إلى أرضه قد تحققت في القرنين التاسع عشر والعشرين.
فهم لا يؤمنون بأن المسيحية أتت لتحل محل اليهودية بل أتت لكي تعيد لها عناصرها المفقودة، فبحسب فهمهم للكتاب المقدس يعتقدون بأن قيام إسرائيل عام 1948 كان الخطوة الأولى لعودة المسيح للعالم حيث سيخوض حرباً فيها ضد قوى الشر تسمى هرمجدون يُقتل خلالها ثلثي الإسرائيليين ويهتدي الثلث الباقي للمسيحية وبعد انتصاره يحكم المسيح العالم كملك لألف عام.
و جدير بالذكر أن أغلب رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية هم من البروتستانت الذين يجاهرون بدعمهم المطلق لإسرائيل، و منهم جو بايدن و جورج بوش و باراك أوباما في العصر الحديث.
و يعد كتاب باراك أوباما "أرض الميعاد" بمثابة مذكرات تقدم نظرة ثاقبة وصريحة لرحلته السياسية، بما في ذلك موقفه من مختلف قضايا السياسة الخارجية، بما في ذلك علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل.
و إن مجرد اختيار هذا الاسم للكتاب الذي يسود فيه الرئيس الأميركي السابق مجريات حياته السياسية، يتضح مدى سيطرة و أهمية الأفكار الصهيونية على المعتقدات السياسية للرئيس أوباما.
و في "أرض الميعاد"، يسلط أوباما الضوء على التزامه بأمن إسرائيل ويعترف بالعلاقة القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ويذكر جهود إدارته في تقديم المساعدات العسكرية والتعاون الأمني ودعم القدرات الدفاعية الإسرائيلية.
هل السّلام مطلبْ إسرائيلي؟!
إن الصراع الإسرائيلي العربي قضية معقدة وطويلة الأمد ولها وجهات نظر مختلفة، وفي حين أنه من المهم ملاحظة أنه ليست كل القوى السياسية في إسرائيل تشترك في وجهات النظر نفسها، إلا أن هناك عدة أسباب رئيسية وراء تردد بعض الفصائل في السعي إلى التوصل إلى اتفاق سلام مع الدول العربية، وخاصة مع الفلسطينيين، لأسباب عديدة منها:
أولاً: لعبت المخاوف الأمنية دوراً مهماً في توجه إسرائيل نحو مفاوضات السلام، إذ تتمتع البلاد بتاريخ من الصراع والحرب، ويخشى العديد من الإسرائيليين من أن يؤدي اتفاق السلام مع أي دولة عربية إلى تعريض أمنهم القومي للخطر، عن طريق اختراق الدول العربية للأراضي الإسرائيلية و الاقتصاد الإسرائيلي بفعل العلاقات الدبلوماسية و إنشاء السفارات و الأسواق المشتركة بين البلدان العربية و إسرائيل، و هذا ما حصل بفعل العلاقات الدبلوماسية مع مصر، حيثُ أدى وجود السفارة المصرية في إسرائيل و العلاقات الاقتصادية و الأسواق المشتركة إلى تسهيل عمل الاستخبارات المصرية داخل الأراضي الإسرائيلية.
ثانياً: أدت النزاعات الإقليمية والروايات التاريخية إلى خلق انقسامات عميقة، حيثُ ويطالب كل من الإسرائيليين والفلسطينيين بنفس الأرض، وهذه الهويات الوطنية المتنافسة جعلت التوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين أمراً بالغ الصعوبة، بالنسبة لبعض الإسرائيليين، يمثل مفهوم حل الدولتين تسوية مؤلمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتخلي عن الأراضي التي يرون أنها ذات أهمية تاريخية ودينية، و لهذا فإن العديد من التيارات السياسية الإسرائيلي تعارض إقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧ لأن هذا من شأنه خسارة إسرائيل لأراضي يعتبرونها أرضاً يهودية خالصة.
ثالثاً: تلعب السياسة الداخلية دوراً حاسماً، حيثُ تتمتع إسرائيل بمشهد سياسي متنوع مع أحزاب وأيديولوجيات مختلفة، وفي بعض الحالات، قد يتبنى القادة السياسيون موقفًا أكثر تشددًا بشأن الصراع لجذب دوائر معينة والحفاظ على مواقعهم في السلطة وهذا يمكن أن يعيق التقدم نحو اتفاق السلام، حيث قد يخشى القادة فقدان الدعم من الفصائل المتشددة، مثل حكومة نتنياهو التي تحظى بدعم اليمين المتطرف الذي ينتمي اليه وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير، و تجدر الإشاره إلى أن استحواذ حزب الليكود (اليميني) على السلطة يُصَعِبُ مهمة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ٦٧ و عاصمتها القدس الشرقية.
رابعاً: انعدام الثقة والإخفاقات السابقة في مفاوضات السلام إلى الشكوك، لقد انخرط العرب الإسرائيليون في العديد من عمليات السلام التي لم تؤد، لأسباب مختلفة، إلى حل دائم. وقد أثار ذلك شكوكاً لدى بعض الإسرائيليين حول جدوى تحقيق السلام من خلال المفاوضات، إذ يعتقد الإسرائيليون أن مفاوضات السلام مع الدول العربية ليست سوى عروضاً لا قيمة لها، و أن العداء يظل موجوداً بين إسرائيل و الدول العربية رغم عقد هذه الاتفاقات.
خامساً: من الممكن أن تؤثر العوامل الخارجية، مثل الوضع الجيوسياسي الأوسع في الشرق الأوسط، على موقف إسرائيل بشأن السلام. إن الديناميكيات المتغيرة في المنطقة، مع صعود قوى إقليمية جديدة وتغير التحالفات بين الدول العربية، دفعت بعض الإسرائيليين إلى إعطاء الأولوية للمخاوف الأمنية الإقليمية على السلام مع العرب و الفلسطينيين.
سادساً: إن توسع اتفاقيات السلام الإسرائيلية مع الدول العربية سيغير من صورة إسرائيل في الغرب كدولة يحيط بها الاعداء الذين يتربصون بها لإزالتها من الوجود، ما يمكن أن يكون سبباً في تراجع الدعم الغربي لإسرائيل و الاهتمام الأميركي بالحفاظ على أمن إسرائيل كجزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
التيار الأرثوذكسي اليهودي بين معارضة الصهيونية و تكفير إسرائيل:
إن العلاقة بين اليهود الأرثوذكس ودولة إسرائيل معقدة و غريبة، وتتميز بمجموعة واسعة من الآراء والمعتقدات داخل المجتمع اليهودي الأرثوذكسي، ففي حين أنه من المهم ملاحظة أنه ليس كل اليهود الأرثوذكس لديهم نفس وجهات النظر، إلا أن هناك عدة أسباب رئيسية تجعل بعض أعضاء هذا المجتمع متناقضين أو منتقدين لدولة إسرائيل، لأسباب عديدة منها:
1. الاهتمامات اللاهوتية و تكفير إسرائيل العلمانية:
اليهودية الأرثوذكسية متجذرة بعمق في التقاليد الدينية ومراعاة (الشريعة اليهودية)، حيثُ يعتقد بعض اليهود الأرثوذكس أن إنشاء دولة إسرائيل كان يجب أن يتم بقيادة المسيح ووفقًا للقانون اليهودي، وهم يجادلون بأن الطبيعة العلمانية للدولة وقيادتها السياسية لا تتماشى مع معتقداتهم اللاهوتية، بل حتى يصل بهم الأمر إلى تكفير دولة إسرائيل باعتبارها تمثل تحدياً لإرادة الرب.
2. معارضة الصهيونية:
في حين أن الصهيونية، الحركة السياسية التي أدت إلى إنشاء إسرائيل، لا تتناقض كلياً مع اليهودية الأرثوذكسية، إلا أن هناك عناصر داخل المجتمعات الأرثوذكسية عارضتها تاريخياً، حيثُ كان لبعض الحاخامات والمجتمعات وجهات نظر مناهضة للصهيونية وعارضوا فكرة الدولة اليهودية. و غالبًا ما كانت معاداة الصهيونية متجذرة في المخاوف الدينية والرغبة في الحفاظ على الهوية اليهودية على أساس الممارسة الدينية بدلاً من الهوية الوطنية.
3. التجنيد والخدمة الس كرية:
كانت سياسات التجنيد التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية قضية مثيرة للجدل بالنسبة لليهود الأرثوذكس، إذ يتردد العديد من الأفراد الأرثوذكس في الخدمة في الجيش الإسرائيلي بسبب التزاماتهم الديني، ويقولون إن دراسة التوراة هي واجبهم الأساسي، وأن الخدمة في الجيش تتعارض مع أسلوب حياتهم الديني.
4. وقد أعرب بعض اليهود الأرثوذكس، وخاصة الفصائل الأكثر تطرفا، عن مخاوفهم بشأن الحرية الدينية في إسرائيل. إنهم يشعرون بالقلق من أن سياسات الحكومة الإسرائيلية، مثل القضايا المتعلقة بالزواج والتحول ومراعاة السبت، و التي لا تتماشى مع مبادئهم الدينية الصارمة، حيثُ إنهم ينظرون إلى التأثير العلماني على الأمور الدينية باعتباره تحديًا لأسلوب حياتهم و كفراً بتعاليم التوراة.
5. الاختلافات الثقافية والأيديولوجية:
تشمل اليهودية الأرثوذكسية مجموعة واسعة من وجهات النظر الثقافية والأيديولوجية، هناك اختلافات كبيرة من حيث الأيديولوجية السياسية، ومستوى التدين، والمشاركة مع المجتمع العلماني. و قد يكون بعض اليهود الأرثوذكس، وخاصة الفصائل الحريدية (الأرثوذكسية المتطرفة)، أكثر عزلة عن المجتمع الإسرائيلي الأوسع بسبب التزاماتهم الدينية والاختلافات الثقافية.
معارضة الدولة الفلسطينية الحرة..لا عودة إلى حدود 1967:
إن أحد أهم الاستراتيجيات الإسرائيلية تتركز في الجانب الأمني الذي يضع نصب عينيه المحافظة على الأمن القومي الإسرائيلي كأهم الاعتبارات لدى كافة الحكومات الإسرائيلية على اختلاف تياراتها و توجهاتها، و يرتكز العامل الأمني لدى إسرائيل بأولوية معينة تتمحور حول منع إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على أطراف الحدود الإسرائيلي لما يمثله ذلك من خطر على الأمن القومي الإسرائيلي، و ذلك للإعتبارات التالية:
1. النزاعات الإقليمية: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني متجذر بعمق في النزاعات الإقليمية، و يعتقد بعض الإسرائيليون بأن إنشاء دولة فلسطينية حرة من شأنه أن يعرض أمن إسرائيل للخطر أو سيطرتها على المناطق التي تعتبرها حيوية من الناحية الاستراتيجية.
2. المخاوف الأمنية: إذ أدى الصراع إلى عقود من العنف والأعمال العدائية، مما جعل بعض القادة الإسرائيليون متشككين بشأن قدرة الدولة الفلسطينية على ضمان سلامة وأمن إسرائيل َ منع العمليات العسكرية الفردية أو الجماعية التي تستهدف أمن إسرائيل.
3. الأغلبية اليهودية: لطالما كانت التركيبة السكانية مصدر قلق رئيسي بالنسبة للإسرائيليين ، ويرى بعضهم أن إنشاء دولة فلسطينية حرة و بالتالي عودة فلسطينيي الشتات قد يعرض الأغلبية اليهودية داخل إسرائيل للخطر، مما قد يؤدي إلى وضع لم يعد فيه اليهود يشكلون أغلبية السكان.
4. الأهمية التاريخية والدينية: تحمل أرض إسرائيل أهمية تاريخية ودينية عميقة بالنسبة لليهود، لذا قد يعارض بعضهم إنشاء دولة فلسطينية على أساس أن ذلك قد يعرض السيطرة اليهودية على المواقع ذات الأهمية الدينية في القدس والضفة الغربية للخطر.
5. المفاوضات المعقدة: يتميز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بمفاوضات معقدة ومليئة بالتحديات، وله تاريخ من عمليات السلام التي لم تنجح في تحقيق أهدافها مثل مؤتمر مدريد و أوسلو، لذا يشعر بعض القادة في إسرائيل بخيبة أمل بسبب عدم إحراز تقدم فعلي على مستوى إرساء سلام حقيقي ويتشككون في جدوى حل الدولتين، إذ يرون أن الدولة الجديدة التي يتحدث عنها الفلسطينيون لن تكون دولة مسالمة لليهود، بل ستكون عدواً جديداً لإسرائيل في المنطقة.
الحربُ على غزة كجزء من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي:
دعت قوات الاحتلال الإسرائيلي السكان في شمال قطاع غزة، إلى إخلاء بيوتهم والتوجه جنوب وادي غزة، المنطقة التي تمتد على 19 كيلومترًا تقريبا من القطاع البالغ طوله 41 كيلومترًا.
وهذه المنطقة هي من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في القطاع، ويعيش فيها مليون ومئة ألف شخص.
وقالت الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، إن الجيش الإسرائيلي أبلغها بأن نحو 1.1 مليون فلسطيني في غزة يجب أن ينتقلوا إلى جنوب القطاع خلال الساعات الـ24 المقبلة.
وطلب الجيش الإسرائيلي من سكان غزة التواجد جنوب الوادي ، جنوب غزة.. وهذا الطلب من قبل الاحتلال بإخلاء شمال غزة، يشير إلى سيناريوهين:
الأول، أن إسرائيل تخطط لقصف جوي مركز يسوي المنطقة بالأرض، أو ما يعرف بالأرض المحروقة في شمال القطاع للقضاء على البنية التحتية لحماس.
الثاني، بدء التوغل البري شمال القطاع، وقد يكون هدفه قسم القطاع إلى جزأين، شمالًا وجنوبًا ويستدعي هذا السيناريو مشاركة الطائرات الإسرائيلية جوًا، والزوارق الحربية بحرًا في قصف القطاع.
لِماذا تأخّر الغزو البريّ الإسرائيلي لقطاع غزة؟:
إنه سيكون من الأشمل فهماً أن نتناول مسألة تردد الجيش الإسرائيلي في احتياج غزة برياً بعيون إسرائيلية، لا سيما عبر كتابات الباحثين الإسرائيليين المتخصصين في الشؤون العسكرية و مسؤولين سابقين في أجهزة الشاباك و وزارة الدفاع..
ففي مقال صحيفة جيروزاليم بوست كتبه يونا جيريمي بوب بعنوان "لماذا تأخر الغزو البري لغزة؟"، يقول الكاتب: إن الأمر بدا واضحا وضوح الشمس؛ أن غزو الجيش الإسرائيلي المضاد لغزة سيبدأ إما الجمعة أو السبت.
كما أن الجيش الإسرائيلي أعطى مواعيد نهائية معينة للفلسطينيين لإخلاء شمال غزة، على أن تنتهي هذه المواعيد النهائية بحلول منتصف نهار الجمعة.
ويضيف أن طبول الحرب بدأت تٌقرع في وقت مبكر يومي الأحد والاثنين، ومهّدت القوات الجوية الطريق بأيام من القصف المدمر. ومع ذلك، فقد وصلنا الآن إلى يوم الثلاثاء، وجميع العلامات تشير إلى أن الغزو أصبح بعيداً، وليس وشيكا بعد.
فما الذي تغير؟ يقول يونا: يبدو أن هناك عوامل عدة تسببت في التأخير. أحدها مانقلته مصادر لصحيفة جيروزاليم بوست، أن أحد العوامل هو القلق المتزايد من أن الفصائل الفلسطينية و الجماعات المعادية لإسرائيل في جنوب لبنان، و يقولون منها حزب الله، ينتظر اللحظة التي تكون فيها معظم القوات البرية التابعة للجيش الإسرائيلي جاهزة للزحف البري على غزة ليفتح جبهة كاملة مع الجيش الإسرائيلي فى الشمال.
وهذا، ومن وجهة نظر الصحيفة لن يمنع الجيش الإسرائيلي من غزو غزة، لكنه ربما يكون قد تسبب في تأخير الغزو للتحقق بشكل أفضل من تأمين الجبهة ، فضلاً عن تعزيز القوات الشمالية تحسبا للأسوأ.
أما العامل الآخر، فيشير الكاتب إلى أن هناك أيضا اعترافا عميقا داخل جيش الدفاع الإسرائيلي وعلى المستوى السياسي، بأن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يخض حربا كهذه منذ عقود، وأن الاندفاع إلى التدخل دون استعداد، لمجرد إشباع التعطش للانتقام بشكل أسرع، يمكن أن يكون خطأ كبيرا.
ويرى الكاتب أن تحقيق "مفاجأة" استراتيجية سيكون مستحيلاً نظراً لأن حماس هي التي بدأت هذه الحرب، وبما أن الجيش الإسرائيلي يرغب أيضاً في تحقيق مفاجأة تكتيكية ضد حماس، فإن الأمر يتطلب التخطيط.
ويضيف أن هناك عدة عوامل أخرى للتأخير، والتي يمكن أن تشمل الضغط الأمريكي لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين، والمخاوف الداخلية بشأن الرهائن الإسرائيليين في غزة، وإعطاء المزيد من الوقت للفلسطينيين للإخلاء.
ويوضح الكاتب أنه على الرغم من الدعم العالمي الكبير الذي حصلت عليه إسرائيل، فإن اللحظة التي تتضخم فيها أرقام الضحايا في غزة، والتي من المرجح أن تحدث عندما يبدأ الغزو، فستكون هناك ضغوط قوية من الولايات المتحدة والعالم لوقفه.
كما أكدت الصحيفة نقلا عن مصادر عديدة، أنه لم يُقرر بعد ما الذي سيحدث لغزة بعد أن "يُطيح الجيش الإسرائيلي بحكم حماس". ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه فقط بعد الحرب سنعرف ما إذا كان هذا الوقت الإضافي قد تم إنفاقه بحكمة في صياغة خطة غزو وما بعد الغزو، لتكون أكثر ذكاءاً وفعالية، أم أنه كان إهدارا للوقت.
أما صحيفة هآرتس والتي نشرت مقالا تحليليا كتبه يوسي فيرتر تحت عنوان: "بينما تعاني إسرائيل من هجمات حماس، يلقي نتنياهو باللوم على الجميع، باستثناء نفسه".
يقول الكاتب إنه حتى ليلة الاثنين، نهاية اليوم العاشر من الحرب، حرص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على عدم التلفظ بكلمة واحدة تشير إلى مسؤوليته عن الفشل والكارثة الحاصلة.
ويضيف، أعلن يوم الإثنين، كل من رئيس الشاباك، رونين بار، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللفتنانت جنرال هرتزل هاليفي، المسؤولية عما حدث، بينما لايزال نتنياهو يواصل التهرب والتنصل، مقتنعا بأن ازدواجيته ستوفر له مظلة ضد غضب الشعب.
قال نتنياهو في كلمته التي ألقاها في افتتاح جلسة الكنيست الشتوية يوم الاثنين “هناك الكثير من الأسئلة، وقد بدأنا التحقيق بالفعل”. لكن الكاتب يرى أن المتهم الرئيسي، هو رئيس الوزراء، الذي يُطلق عليه لقب رأس هرم عدم الكفاءة، ولا يمكنه التحقيق في أي شيء.
ويضع الكاتب هنا سؤالا محوريا حول: ما الهدف والمعني الحقيقي وراء الإحاطات التي قادها مدير مكتب نتنياهو ضد وزير الدفاع يوآف غالانت، مؤخرا ويرى، من وجهة نظره أن هذا التساؤل له إجابتان واضحتان:
الأولى، أن نتنياهو مخلوق سياسي ذو روح مظلمة وتفكير ملتوي، ومهاراته الرهيبة في إدارة الأزمات سيئة السمعة.
الثانية: أنه يجهّز ليُلقي باللوم على القيادة العسكرية، التي لم تطلعه ولم تحذره مما حدث، لذلك هو خطأ الأجهزة العسكرية وقادتها.
ويختم بالقول إنه بعد أن تنتهي الحرب، التي ترسم الإدارة الأميركية خطاً أحمرا لإسرائيل فيها "لا أزمة إنسانية في قطاع غزة"، فإن الأشخاص الذين تركونا في 7 أكتوبر، تشرين الأول – الحكومة ورئيسها – سوف يتمسكون بمقاعدهم بأي ثمن.
دهاليز العلاقات الإسرائيلية الأميركية.. مُخرجاتُ زيارة بايدن إلى إسرائيل:
في مقابلة لألون بينكاس (الوزير الإسرائيلي السابق)، على إحدى قنوات الإعلام الأمريكي (إم إس إن بي سي) تحدث فيها الكاتب في هآرتس حالياً، حول ما حدث خلال زيارة الرئيس بايدن إلى تل أبيب – على وجه التحديد فيما يتعلق بالخيارات العسكرية، حيثُ أوضح بينكاس التالي:
- من الواضح أن وجهة نظر بايدن هي أن التوغل البري المطول من شأنه أن يعيق إسرائيل لفترة طويلة جدًا وقد يجذب أطرافًا أخرى إلى الصراع – حتى أكثر مما هو حاصل الآن، لذلك هذا ليس مسار عمل مقبول.
- كانت رسالة بايدن إلى إسرائيل هي أنه على الرغم من أن البدائل المتاحة لهم ليست جيدة، إلا أنه لا يزال يتعين عليهم البحث عن بديل.
احتمالات المضي قدماً كما ذكرها بينكاس:
- الامتناع عن العمليات البرية تمامًا؛ وفقط استخدام الذخائر الدقيقة والقصف الجوي والاغتيالات المستهدفة
- إجراء عمليات توغل محدودة على نطاق أصغر في شمال أو وسط مدينة غزة.
- "فقط توقفوا" التي لم تعد تحظى بشعبية كبيرة بعد أهوال 10/7، لأن "الدم الإسرائيلي يغلي" بالطبع؛ هناك أيضًا 199 رهينة يجب أخذها بعين الاعتبار.
و استبعد بينكاس أن يكون بايدن قد طرح فكرة وقف إطلاق النار، رجّح أنه يحبّذ بدء المفاوضات (حول الأسرى)، واستهداف قادة محددين في حماس.
و قال بينكاس أن بايدن تحدث مع نتنياهو حول حل الدولتين، لكن برأيه أن "أحداث 7 تشرين الأول / أكتوبر أزاحت النقاش حوله عن الطاولة".
ومع ذلك، قد يتعين على إسرائيل أن تفكر في حل الدولتين في نهاية المطاف، ولكن سوف يتطلب الأمر حكومة إسرائيلية مختلفة تماماً؛ فالحكومة الحالية متطرّفة للغاية، ويمينية للغاية، كما ألمح بينكاس إلى "بطانة فضية" محتملة على المدى الطويل، لكنه لم يوضح ما كان يقصده.
مآلاتُ الحرب و سيناريوهاتها.. كيف يُمكن قرءتها في ضوء المعطيات التاريخية و الاستراتيجية:
على الرغم من كون عملية السابع من أكتوبر ضربة مؤلمة لإسرائيل، إلا أنه لا يمكن القول أن جميع الجهات الإسرائيلية تنظر لها من الناحية السلبية.
فهناك من يريد تحويل هذه الأزمة إلى فرصة إسرائيلية لتنفيذ مخططات التوسع الاستيطاني الصهيوني ليشمل مناطق القطاع و الضفة، و هذه مخططات ليست بالجديدة و لا وليدة اللحظة، بل يتم الحديث عنها منذ سنوات، و لكن أكثر تكشفت فيه مثل هذه المخططات كان في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في ظل ما عرف بصفقة القرن، حيثُ كان هناك حديث عن أهداف أميركية إسرائيلية للضغط على مصر و الأردن عبر وسائل عديدة سياسية و عسكرية للقبول باستقبال فلسطينيي الضفة و القطاع و توطينهم، تمهيداً لتحويل الضفة و القطاع إلى مستعمرات إسرائيلية جديدة بهدف جعل إسرائيل يهودية بالكامل.
و بالتالي فإن مضيّ إسرائيل قدماً في تنفيذ هذه المخططات يضعها أمام سيناريوهين رئيسيين مع بعض التفرعات عليها :
السيناريو الأول: اعتماد سياسة الأرض المحروقة في غزة ثم الدخول إليها برياً رغم الخطورة الميدانية على أرواح الجنود الإسرائيليين، و هذا سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى انسحاب السكان الفلسطينيين جنوباً نحو مصر، ما سيولد غضباً في الضفة الغربية و يعطي حجة للإسرائيليين بشن عمليات أمنية في القطاع و وتهجير سكانه و استيلاء المستوطنين الجدد على أراضي السكان الفارين من القطاع.
السيناريو الثاني: فشل الاجتياح البري إما بسبب الفشل في التخطيط العسكري الاستراتيجي لإسرائيل أو بسبب العوامل الخارجية كاتخاذ دول عربية أو إسلامية مواقف جدية ضد الاعتداءات الإسرائيلية عبر الحرب المباشرة مع إسرائيل ، و من الأهمية الإشارة إلى تصريحات مصر في اليومين الماضيين بأن مخططات تهجير الفلسطينين نحو سيناء سوف تؤدي إلى الحرب مع مصر، و هذه المرة الأولى التي يهدد فيها الجانب المصري بالحرب مع إسرائيل منذ عقد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في كامب ديفيد.
كما يمكن أن تكون الخطوات العربية والإسلامية غير مباشرة و غير عسكرية عبر الضغوط الدبلوماسية و الاقتصادية على الولايات المتحدة الأمريكية و دول الغرب الأوروبي إضافة إلى تقديم العون العسكري الغير مباشر لفلسطينيي غزة، و في كل الأحوال إنه من المهم التنبه من قبل الجانب العربي إلى خطورة المخططات الإسرائيلية و ضرورة بناء وحدة الصف العربي والإقليمي في مواجهة هذه المخططات التي إن نجحت فسيفقد الفلسطينيون أي آمالٍ بالحصول على حياة كريمة و معيشة سوية في ظل دولة فلسطينية مستقلة على حدود ١٩٦٧ كما تطالب بها الدول العربية و الفصائل الفلسطينية المتنوعة، و هذا بالفعل ما تضغط إسرائيل لتحقيقه، فآخر شيء يمكن أن يفعله القادة الإسرائيليون هو القبول بإنشاء دولة فلسطينية على أراضي ما يعتبرونه "آرتس يسرائيل" أو إسرائيل الكبرى، و بالتالي فإن حمل إسرائيل على القبول بهذه المطالب لن يتم سوى عبر إسداء هزيمة معتبرة بإسرائيل، سواء عبر طريق القوة العسكرية أو القوة الناعمة أو عبر الاثنين معاً.