مَعرَكةُ غزّة الأخيرة: سِرُّ التوقيتِ .. صِراعُ المَصالِح.. تداعِياتُها
إعداد - فريق محرري بث- تقرير خاص بث:
منذ أكثر من قرنٍ من الزمن، لم تشهد المنطقة العربية بمعظمها استقراراً سياسياً و لا أمنياً، و لا استطاعت الكثير من محاولات حل المشكلات العربية التوصل إلى معالجة جذرية للقضايا العربية بما فيها القضية الفلسطينية، بل إن الأسوء و الأخطر من ذلك، أن معظم محاولات تحسين الأوضاع العربية و حل مشاكل المنطقة لم تفشل فقط، بل كانت بوابةً لِشرور أكبر و أخطر على أمن و استقرار المنطقة، بل و بدل أن تقدم معها حلولاً للمشكلات الموجودة كانت بوابةً لاستجلاب مشاكل جديدة أكثر فتكاً بمستقبل المنطقة و أمنها و استقرارها.
الشارع العربيّ، كُلما همّ بالتصفيق و التهليل و بناء الآمال الحالمة على أي خطوةٍ ظنّ أن فيها الخطوة الأولى نحو عالم عربي مزدهر، جاءت صدمة لتُقوِض آماله بالخروج من الفوضى إلى الاستقرار و الازدهار، فلا ثورات الجيوش أو انقلاباتها على الأنظمة الملكية في مصر و العراق و ليبيا استطاعت تخليص شعوب هذه البلدان من الفقر و البؤس و مخلفات الاستعمار، و لا شعارات القومية العربية التي أطلقها عبد الناصر و الأسد الأب في سوريا استطاعت أن تقود العرب الي النصر على إسرائيل و داعميها الغربيين، ثم أتى ما سمته الصحف الغربية بالربيع العربي ليتحول إلى جحيمٍ عربي يتسبب في إرجاع الدول التي شملها عقوداً إلى الوراء على صعيد الاقتصاد و الأمن و حقوق الإنسان، فضلاً عن جلبه الاستعمار مجدداً ليتخذ مواقعه من جديد في الدول العربية التي ما لبِثت أن طردته منذ عقود قليلة مضت لتحاول شق طريقها نحو الاستقلال و تحقيق أمن و استقرار و رفاهية شعوبها.
و رغم كل هذه المشكلات التي واجهت العالم العربي من شرقه إلى غربه، بقيت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأكثر أهمية لدى جميع الشعوب العربية على الرغم من مشكلاتهم الخاصة، فإن أزمات كل دولة لم تمنع الشعوب من وضع القضية الفلسطينية نصب أعينهم طوال هذه السنوات، على الرغم من الهزائم و النكسات التي مُنِيَ بها العرب على مدى تاريخ طويل من الصراع العربي الإسرائيلي، الذي تحولت معالمه منذ عام ١٩٧٣ من الصراع العسكري إلى تجاذباتٍ سياسية منذ كامب ديفيد و وادي عربة و أوسلو وصولاً إلى اتفاقيات أبراهام، ما عدا المناوشات العسكرية التي تحدث من فترة إلى أخرى بين الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة في قطاع غزة و الضفة الغربية و جنوب لبنان..
و كما جرت العادة منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزّة، ها هي حربٌ جديدة تُطّلُ على القطاع الذي يقع تحت الحصار الإسرائيلي منذ ما يقرب من عقد و نصف، ذاك القطاع الذي يُعتبر أكثر المناطق كثافةً من حيثُ عدد السكان و اكتظاظهم، إذ يعيش فيه ما يزيد عن مليونين و مئتين ألف فلسطيني.
اللافت في هذه الحرب و ما يميزها عن غيرها عدة عوامل أهمها نقل الصراع من أراضي القطاع إلى خارجه، أي مستوطنات غلاف غزة التي تسلل إليها عناصر من حماس و الجهاد الإسلامي و باقي الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة في قطاع غزة.
المتغير الأهم هو التقييم الإسرائيلي الجديد لهذه المعركة المستحدثة، إذ لم يصِف الجيش الإسرائيلي عملياته ضد قطاع غزة بالعملية العسكرية، بل بالحرب، و هي أول مرة على الإطلاق يُعلن فيها الجيش الإسرائيلي عن شنّ حربٍ شاملة على غزة و ليس فقط عملية عسكرية محدودة كما كان يصفها في السابق، إضافة إلى النوايا الإسرائيلية باستخدام كافة أساليب القوة للقضاء على أي فصيل مسلح يهدد أمن المستوطنات الإسرائيلية بما فيها حركة حماس.
وصرح مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى بأن هذه هي الحرب الأولى على غزة و ستكون الأخيرة، في إشارة إلى تصميم الحكومة و الجيش الإسرائيلي على شن عملية عسكرية عنيفة في قطاع غزة دون إعطاء الاعتبار لأي معايير سوى المعايير العسكرية، ويتضح ذلك من خلال تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال فيه ان الجيش الإسرائيلي يتعامل مع "حيوانات بشرية و سيتم التصرف وفقاً لذلك" ، و قد قالت منظمة العفو الدولية أن المجتمع الدولي يجب أن يتنبه إلى أن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي تتضمن دعوة مباشرة للقوات الإسرائيلية لارتكاب جرائم حرب.
و هذا ما يعني أن إسرائيل تنوي ضرب كافة الجوانب الإنسانية عرض الحائط دون إعطاء الأهمية لمعايير القانون الدولي الإنساني، و قد بدأت تتكشف معالم هذه النوايا من خلال تشديد إسرائيل الحصار على قطاع غزة و قطع المياه و الكهرباء و الوقود و كافة مقومات الحياة البشرية عن القطاع، ما يعني أن الحرب الإسرائيلية على غزة لا تستهدف فقط حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي و الفصائل الفلسطينية المسلحة، بل هي أيضاً حرب على المدنيين الفلسطينيين، فلا علاقة المياه مثلاً بالضرورات الحربية، و بالتالي فإن قطع المياه هو سلاح يستهدف المدنيين بالدرجة الأولى كجزء من الحرب النفسية التي تريد من خلالها إسرائيل كسر بأس كل فلسطيني أو عربي يفكر في مواجهة التفوق الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال.
عَلاقةُ إيران بأحداث غزّة.. هل ساعدت إيران في التخطيط للعمليات و تنفيذها؟ :
بدايةً، لا بُد من توضيح مسألة مهمة جداً، و هي أن العداء الإيراني لإسرائيل – بالنسبة للناظر بعين الواقع؛ و ليُصحح لنا الإيرانيون على أرض الواقع إن أرادوا-، ليس سوى عداءٍ إعلامي لم نرَ منه شيئاً على أرض الواقع، فمنذ الثورة الإيرانية التي قادها الخميني في العام ١٩٧٩ و العالم يسمع الهتاف الإيراني بالموت لأمريكا و إسرائيل على كافة وسائل الإعلام و ساحات الرأي العام بدءً من الشارع الي البرلمان، لكن الواقع يقول أن إيران ليست معنية بتصدير الموت سوى للعرب، وتمارس إيران سياساتٍ عدوانية وتوسعية مدفوعة بأيديولوجية تقسيم طائفي مصطنع؛ قائمة على الثأر من "أحفاد بني أمية و قتلة الحسين بن علي و ناصِبي حق الخلافة من آل البيت" بحسب الأيديولوجية الإيرانية.
و إن أكثر المشاهد توضيحاً لهذه الأيديولوجية الطائفية الإيرانية هو المشهد السوري الذي بيّن مشاركة القوات الإيرانية و الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران مثل حزب الله اللبناني و العراقي و ميليشيا الحشد الشعبي و ميليشيا زينبيون و فاطميون - و مقاتليهم من شيعة أفغانستان و آسيا الوسطى في معظمهم-، حيثُ ارتكزت العقيدة القتالية لدى هؤلاء على التنكيل الطائفي بأبناء سوريا ليس لشيء سوى لانتمائهم لطائفة تعتبرها إيران موضوع ثأرٍ لها، و يُساعدها على ثأرها هذا على تقريب التفريج عن "المخلص المنتظر" الذي ينتظر منذ أكثر من ألف عامٍ و بضع مائة سنواتٍ في سردابٍ قبل أن يخرج و يحمل معه قيادة أشياعه إلى النصر بحسب العقيدة الإيرانية.
وبالواقع و الإحصائيات، لم تدخل إيران يوماً في حرب أو اشتباك مسلح مع إسرائيل، و لم تستهلك صواريخها و مسيراتها في مواجهة إسرائيل بل في مواجهة الشعوب العربية، و إن أذرعها المسلحة كحزب الله اللبناني و ميليشيا الحوثي في اليمن، لا يُطلقون صواريخهم و مسيراتهم المتفجرة سوى نحو السعودية و سوريا، فلا يوجد منطقٍ أن إيران شريكٌ حقاً في دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة إسرائيل؟!.
أما بالنسبة لدعم إيران لحركة حماس، فإن هذا أيضاً لا يخرج عن كونه محاولات إيرانية لتوسيع السيطرة و النفوذ و الاستفادة من الدعاية الإعلامية لها كداعم للفصائل الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، و تعود أسبابه في الأساس إلى وجود خلافات سياسية عربية -عربية ما جعل إيران تحاول الدخول على خط الخلافات للاستفادة من موقع قدم لها في العالم العربي، و تحاول تقديم نفسها كمرجع رئيسي لحل قضايا الشعب الفلسطيني بدلاً عن الدول العربية.
إلا أن هذا الدعم الذي تقدمه إيران لحماس محدود و ليس له تأثير فعلي على أرض الواقع، فالمسيرات التي تستخدمها حركة حماس بدائية جداً و لا يمكن اعتبارها مُصنعة من قبل إيران أو مُجمعة في غزة بحسب التكنولوجيا الإيرانية، لأن المسيرات الإيرانية – و يتم استخدامها في روسيا اليوم لضرب مواقع أوكرانية-، هي أحدث بكثير من مسيرات حماس و لديها نوعاً ما القدرة في بعض الأحيان على التشويش على أنظمة الدفاع الجوي الغربية التي تستخدمها إسرائيل و أوكرانيا، و كذلك الأمر بالنسبة لصواريخ حماس التي تتخلف بأجيال كبيرة عن الصواريخ الإيرانية بل و حتى ان الصواريخ الموجودة لدى حزب الله هي أعلى تطوراً بكثير من صواريخ حماس.
و لهذا فإن أشكال الدعم الإيراني لحركة حماس من الواضح أنه لم يكن لم يكن متمثلاً بالعتاد و التسليح، بل ببعض الدعم المالي لبعض أنشطة الحركة خارج غزة، إذ أن الموقع الجغرافي لا يسمح بالتواصل اللوجستي بين إيران و حماس،و يمكن اختصار أبعاد العلاقات بين إيران و حماس بالإعتبارات التالية:
١- محاولة الاستفادة من حالة التوتر السياسي التي أصابت علاقة بعض الدول العربية ببعض، حيثُ اتخذت إيران موقفاً إلى جانب بعض الدول العربية الداعمة لحماس.
٢- وجود العديد من المصالح الايرانية في مناطق جغرافية مجاورة لإسرائيل مثل سوريا و لبنان يجعل من إيران تسعى إلى امتلاك موضع نفوذ في غزة كورقة ضغط على إسرائيل لثنيها عن التعرض للمصالح الإيرانية في دول الجوار.
٣-إن إيران و بالرغم من معرفتها بمدى كون حركة حماس تتعرض لضغطٍ غير مسبوق في غزة، فإنها لم تقدم سوى على إجراء بعض الاستعراضات الإعلامية، على الرغم من تصريحاتها مراراً بأنها تنوي استهداف إسرائيل، إلا أن ذراعها في لبنان (حزب الله) لم يُقدم على أية عملية عسكرية من شأنها تشتيت القوات الإسرائيلية عن قطاع غزة، بل حتى إنه سارع فوراً إلى تبرئة نفسه من التدخل في التسلل الذي نفذته فصائل فلسطينية من جنوب لبنان نحو إسرائيل، بل و حتى بعد أن استهدفت إسرائيل مواقعه و قتلت ثلاثة من عناصره، قام بردٍ محدود لحفظ ماء الوجه عبر استهداف ملالة بصاورخ موجه ، و لم يُسفر هذا الرد عن مقتل أي جندي إسرائيلي على الرغم من أن تسلل أربعة مسلحين تابعين لسرايا القدس إلى شمال إسرائيل أسفر وحده عن مقتل أكثر من جنديين إسرائيليين، ما يعني أنه كان من السهل على حزب الله استهداف الجنود الإسرائيليين لكنه لم يفعل لأنه لا يريد بالفعل الدخول في مواجهة مع إسرائيل.
إيران.. مواقف متناقضة بين السلطة والشعب:
نقل موقع إيران انترناشونال عن البرلماني الإيراني السابق محمود صادقي أنه لفت إلى هذه المواقف المتناقضة بين السلطة والشعب، وقال إن السبب الرئيسي وراء معارضة الشعب الإيراني لموقف النظام تجاه القضية الفلسطينية راجع في الأساس إلى اعتقاد هؤلاء المواطنين بأن السلطة الحاكمة لم تضع المصالح الوطنية لإيران على أولوية اهتماماتها.
و صحيفة "ستاره صبح" هي الأخرى قالت إن المشاهدات الميدانية تؤكد أن المواطن الإيراني لا يرغب بأي شكل من الأشكال في دخول إيران إلى الصراع بين العرب وإسرائيل، ودعت قادة النظام إلى الابتعاد عن المواقف التي تتعارض مع مصالح الأمن القومي الإيراني.
كما أن صحيفة "كيهان"، المقربة من المرشد علي خامنئي أكدت إيران ليس لها دور في الهجوم الأخير، وكتبت الصحيفة: "هناك مبالغة حول دور الجمهورية الإسلامية في هجوم حماس الأخير، إن قرار الهجوم اتخذته حركة حماس بشكل مستقل".
باختصار.. إيران لا تدعمُ فعلياً أي جماعة مسلحة سوى أذرعها المعروفة، و إن علاقاتها مع حماس ليست سوى محاولات لاستفزاز بعض الدول العربية، و محاولة لامتلاك ورقة نفوذ في وجه إسرائيل و استعراض دعمها المزعوم للقضية الفلسطينية، و إذا كان الأمر عكس ذلك فلماذا لم نرى تدخلاً إيرانياً حقيقياً على الرغم من تواجد إيران في محيط إسرائيل في سوريا و لبنان عبر العديد من الميليشيات المسلحة؟..
ذلك فضلاً عن أن إيران تواجه اليوم العديد من المشكلات الداخلية و الخارجية، كالفقر و ارتفاع مستويات البطالة َ انحدار الاقتصاد الإيراني بفعل العقوبات المفروضة عليها، بالإضافة إلى المشكلات بين الاثنيات المختلفة الموجودة في إيران من كرد و عرب و فرس و بلوش، عدا عن الحزازيات الطائفية، أما على الصعيد الخارجي فإن إيران تواجه تهديداً وجودياً لنفوذها في سوريا بسبب توسع النفوذ الروسي، و كذلك فإنها تواجه أوضاعاً صعبة في اليمن و العراق، كما تتصاعد في لبنان موجة الكراهية ضد تدخل إيران في الشؤون اللبنانية عبر ذراعها اللبناني المتمثل بحزب الله، إضافة إلى الأحزاب الإيرانية المعارضة المتواجدة على الحدود الإيرانية العراقية في كردستان العراق، إذ من المحتمل أن تدخل هذه الأحزاب في صراع مسلح مع النظام الإيراني تماماً كما هو الوضع بين حزب العمال الكردستاني و تركيا، و بالتالي فإن إيران تنشغل اليوم بما تواجهه من تهديداتٍ و مشكلات قد تقوده نحو الهاوية، و بالتالي لا قدرة لها على فتح جبهة جديدة لها في الشرق الأوسط ضد إسرائيل.
عَوْدٌ على بِدءْ.. هل عاد الصّراع العربي الإسرائيلي جزءً من الصّراع الروسيّ الأميركي كما كان؟
إن العالم لم يتغير، و لا يزال كما كان منذ عقودٍ و قرون مضت عبارة عن مربعات تحالفاتٍ و صراعات إقليمية تتحكم فيها قوى كبرى، و بعودتنا إلى التاريخ المعاصر، و خصوصاً تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، نجدُ أنه كان جزءً لا يتجزأ من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي اللذي كان لا يُفوتُ على نفسه مبارزة الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ و السيطرة في أي دولة في العالم، و لا يتأخر عن التقاط أي طرف خارجي مناوئ للولايات المتحدة الأمريكية لدعمه و مساندته ضد الولايات المتحدة الأمريكية تماماً كما فعل مع مصر و سوريا و بعض الدول العربية خلال فترة الحروب العربية الإسرائيلية.
وإن روسيا في الحقيقة، لم ترِث عن الاتحاد السوفياتي أرضه و ترسانة أسلحته فقط، بل ورثت فكره الاستراتيجي أيضاً في كل ما يخص السياسة الخارجية خصوصاً من حيثُ توجهها إلى التحالف و تقوية العلاقات مع كافة الدول و الأطراف المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها و أهمها الصين على سبيل المثال.
و في هذا الإطار أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن الولايات المتحدة تحذر جميع الدول والمنظمات من محاولة استغلال التصعيد الفلسطيني الإسرائيلي، في إشارة إلى روسيا التي سرعان ما حاولت الدخول على خط الأزمة بهدف الاستفادة من الوضع الراهن لتغيير موازين القوى بما فيه يحقق المصالح الروسية.
وقال بايدن: "أحذر أي بلد أو منظمة من استغلال هذا الوضع، وبشكل عام أقول لأي شخص يفكر في استغلال هذا الوضع، لا تفعل ذلك، قد تنكسر قلوبنا، لكن عزمنا لا يتزعزع".
يأتي هذا بعد أن توجه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة عمل تلبية لدعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وأكد جمال رشدي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، أن الزيارة ستشمل جلسة مباحثات موسعة مع لافروف حول عدد من الموضوعات التي تهم الجانبين ومنها القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها التصعيد الجاري في قطاع غزة.
ودعا أبو الغيط إلى وقف التصعيد العسكري ضد قطاع غزة بشكل فوري، مذكرا بما سبق أن حذر منه مرارا من أن استمرار إسرائيل في تطبيق سياسات عنيفة ومتطرفة يعد بمثابة قنبلة موقوتة تحرم المنطقة من أية فرص جادة للاستقرار على المدى المنظور.
و صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن الجانب الروسي يعرب عن قلقه الجدي من انفلات التصعيد بشكل حاد في تلك المنطقة، مشيرة إلى أن الحل دبلوماسي فقط بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وقال وزير الخارجية الروسي "إنني واثق من أن روسيا والجامعة العربية ستعملان أولا لوقف إراقة الدماء" بالتعاون مع الدول التي تريد "سلاما دائما في الشرق الأوسط"، في إشارة إلى عزم روسيا على التدخل في الصراع الدائر مع إسرائيل إلى جانب الدول التي تريد السلام، في إشارة منه الي أن روسيا تعتزم العمل في المنطقة ضدّ الدول التي تؤجج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في إشارة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
واعتبر أنه "من الضروري ليس فقط وقف القتال وحل مشكلة المدنيين" بل أيضا "تحديد السبب وراء عدم إمكانية حل المشكلة الإسرائيلية-الفلسطينية"، و في قوله تحديد السبب وراء عدم حل الأزمة يُشير لافروف بطريقة غير مباشرة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم نفسها على أنها راعية لعملية السلام الفلسطيني الإسرائيلي لم تستطع خلال عقود مضت إرساء سلام فعلى و حل فعال لهذه الأزمة، ملمحاً إلى أن روسيا تُقدم نفسها على أنها وسيط فعّال أكثر من الولايات المتحدة في ما يتعلق بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
و تأكيداً على هذا، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن التصعيد العسكري والتطورات الأخيرة بين إسرائيل وحركة حماس أظهروا فشل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، معتبرا أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يعد أمرا ضروريا لإنهاء الصراع.
و اتهم بوتين واشنطن باحتكار محاولة الوصول إلى تسوية في المنطقة من دون أن تأخذ بعين الاعتبار إيجاد تسويات مقبولة لدى الفلسطينيين والإسرائيليين، على حد تعبيره.
وأضاف الرئيس الروسي أن واشنطن روجت لأفكارها الخاصة حول طريقة الوصول إلى حلول سياسية في المنطقة، ومارست الضغوط على الطرفين، من دون مراعاة لمصالح الشعب الفلسطيني الأساسية.
وكان الكرملين قال في وقت سابق إنه على اتصال مع السلطات الفلسطينية والإسرائيلية سعيا منه للعب دور في حل الصراع بينهما، إذ حافظت روسيا في السنوات الأخيرة على علاقات جيدة مع الطرفين في إطار سعيها لتكون لاعبا إقليميا مهما.
ومن المتوقع أن يزور الرئيس الفلسطيني محمود عباس روسيا قريباً، بحسب الناطق باسم الكرملين.
مَن المُستفيدُ مِن إشعال الصّراع في غزّة في هذا الوقت بالتحديد؟!:
إن الصراع بين إسرائيل و الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة في قطاع غزة ليس بالأمر الجديد، إذ لا يكاد يخلو عامٌ من مواجهات مباشرة بين الجانبين سواء بالقصف من الجانب الإسرائيلي أو الصواريخ من جانب غزة، لكن هذه المواجهات الجديدة اتّسمت بالكثير من المتغيرات سواء من حيثُ مستوى العمليات العسكرية من قبل الجانبين أو من حيثُ التوقيت.
إذ تزامنت هذه المواجهات مع حدثين هامّين على الصعيد العربي و كثير من الأحداث المهمة على الصعيد العالمي، إذ جاءت هذه الأحداث بعد أيامٍ من إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قُرب التوصل إلى اتفاق مع الجانب الإسرائيلي التطبيع العلاقات الدبلوماسية، كما تزامنت أيضاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المصرية، أما على الصعيد العالمي فإن الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية الأميركية قد بدأت بالعمل للدعاية الانتخابية و قد لوحظ في استطلاعات الرأي تراجع شعبية الرئيسي الحالي جو بايدن و تصاعد شعبية منافسيه و أبرزهم الرئيس السابق دونالد ترامب، كما تتصاعد أحداث الحرب الروسية الأوكرانية مع مؤشراتٍ بتحولاتٍ كبيرة في الميدان، بالإضافة إلى العديد من التغيرات السياسية في القارة الأوروبية التي تعتبر البيت الحاضِن الأهم للنفوذ الأميركي، و سنُفَصّلُ كل هذه الأمور على حِدى مع تحليل أبعادها و تداعياتها على الأحداث الدائرة في فلسطين.
أولاً:أبعادُ و تداعيات الانتخابات الرئاسية الأميركية:
ها هي سنةٌ واحدةٌ متبقية أمام جو بايدن و نائبته كامالا هاريس لإنقاذ ما تبقى من شعبية ادارتهم التي تراجعت بشكل كبير بسبب الخلافات السياسية الكبيرة مع الجمهوريين، و ارتفاع سقف الدين الأميركي إلى مستويات غير مسبوقة ما يُنذِر بقرب حدوث أزمات كارثية في الاقتصاد الأميركي علي غرار ما حدث في العام ٢٠٠٨ و أشدّ، بالإضافة إلى ما يراه الرأي العام الأميركي هدراً لأموال دافعي الضرائب الأميركيين في سبيل دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ما يراه الأميركيون معركةً لا ناقة لهم فيها و لا جمل.
و بالتالي فإن إدارة بايدن تسعى إلى نسخ بعض التصرفات عن الإدارة السابقة لترامب، أولاً من خلال محاولة الحصول على دعمِ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية "آيباك"، و من المعروف للجميع أن هذا اللوبي يُعتبر من أقوى جماعات الضغط في الولايات المتحدة الأمريكية و من أكثرها تأثيراً على الرأي العام الأميركي من خلال تحكمه في غالبية وسائل الإعلام الأميركية بالإضافة إلى تحكمه في مفاصل الاقتصاد الأميركي من خلال امتلاكه شركاتٍ كبرى و مصارفَ و الكثير من حصص الأسهم الهامة في البورصات الأميركية، ما يعني أنه يمتلك الورقة الأكثر تأثيراً في الانتخابات الأميركية ألا و هي الاقتصاد، خصوصاً أن العامل الأول الذي يؤثر على قرار الناخبين الأميركيين هو العامل الاقتصادي.
إضافة إلى هذا، تُحاول إدارة بايدن أن تُظهر نفسها كراعٍ لعملية السلام في الشرق الأوسط من خلال إظهار نفسها كوسيطٍ للمحادثات السعودية الإسرائيلية، بالإضافة إلى بعض التصريحات التي صدرت عن إدارة بايدن تجاه مصر و التي تحُث الرئاسة المصرية على التصرف بحذر في مجال حقوق الإنسان و إلا قطعت الولايات المتحدة الأمريكية المعونة العسكرية الأميركية عن الجيش المصري.
عدا عن كلِّ ذلك، إن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول الاستفادة من الصراع الدائر الآن في غزة لتثبيت نفوذها في الشرق الأوسط، و قد لاحظنا هذا من خلال إرسال حاملات الطائرات الأميركية جيرالد فورد و دوايت دي آيزنهاور إلى منطقة شرق المتوسط، و هذا تصرفٌ أميركي مصلحيٌ بحت و لا علاقة له بدعم إسرائيل عسكرياً لهذه الأسباب:
١-إن إسرائيل ليست بحاجة إلى دعم لسلاح الجو، إذ تمتلك إسرائيل أسطولاً جوياً يُمكنها ليس فقط من مهاجمة غزة، بل من مواجهة كافة دول الجوار الإسرائيلي في نفس الوقت، و إن مواجهة الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة في قطاع غزة لا تستوجب كل هذه القوة العسكرية الهائلة.
٢-إن الولايات المتحدة الأمريكية التي تواجه الكثير من المشاكل الداخلية بسبب توسهعا في الحروب خارج أراضيها منذ ثلاثة عقود، لن تتحمل الدخول في صراع مباشر آخر في الشرق الأوسط، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستخدم حاملات الطائرات و الجند الذين عليها لدعم إسرائيل عسكرياً بشكل مباشر، إذاً لماذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال حاملات طائراتها إلى الشرق الأوسط؟.
إن الهدف الأميركي من إرسال حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط يهدف إلى تعزيز الوجود العسكري في منطقة شرق المتوسط في مواجهة الوجود العسكري الروسي التي يتركز في الساحل السوري و خصوصاً قاعدة حميميم بالإضافة إلى تواجدهم (الروس) في الساحل الليبي.
إضافة إلى ذلك، إن وجود حاملات الطائرات الأميركية في منطقة شرق المتوسط يُشكل قاطعاً أمام تواصل القوات البحرية الروسية الخارجة من مضيقي البوسفور و الدردانيل (أي من البحر الأسود) و المتجهة نحو القواعد العسكرية في الساحل السوري و الليبي، ما يعني قطع التواصل و الإمدادات اللوجستية الروسية بين القوات المتواجدة في الأراضي الروسية و تلك المتواجدة في الشرق الأوسط، و هذا ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تستخدم الصراع الدائر في غزة كورقة ضغط على الدول العربية لتقديم تنازلاتٍ في ما يخُص مطالب الدول العربية حول القضية الفلسطينية، إضافة إلى الضغط على السلطة الفلسطينية للذهاب إلى مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي تكون فيها الكلمة الفصل للجانب الإسرائيلي مع كون الجانب الفلسطيني الحلقة الأضعف بسبب الخسائر الكبيرة التي يتلقاها على الصعيدين العسكري و الإنساني.
ثانياً-أبعادُ و تداعيات إعلان المحادثات السعودية الإسرائيلية:
إن اندلاع أحداث غزة بعد أيامٍ من إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قُرب التوصل إلى اتفاق مع الجانب الإسرائيلي، يحمل الكثير من المؤشرات التي تتطلب تحليلاً عميقاً لربط هذه المعطيات مع أسباب اندلاع الصراع الحالي.
فإذا نظرنا من وجهة نظر بعض الدول العربية، فإن كثيراً من هذه الدول لا مصلحة لها بدخول المملكة العربية السعودية إلى خط الاتفاقات التي تدور حول فلك القضية الفلسطينية سواء من جهة التحرير أو حل الدولتين، فمنها مثلاً ؛ من لايرى مصلحة له من حدوث اتفاق سعودي إسرائيلي حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لأن ذلك قد يسلب منه مواقف، وقد يؤثر على صورته كحامي للمقدسات الإسلامية في فلسطين، و منها من لا مصلحة له من حدوث مثل هذا الاتفاق للحفاظ على مكانته كوسيطٍ عربي أوحد للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني و الإسرائيلي. ومنهم من لايريد أن تكون الكلمة الأولى للسعودية في المنطقة.وتلك الحقيقة أن تلك النظرات؛ قاصرة، متوارثة في تاريخ الوجود العربي - كدويلات - في العصر الحديث، تقوم على المصالح الضيقة الخاصة !
أما إذا أردنا النظر من جهة الفصائل الفلسطينية الموجودة في غزة و منها حماس، فإن هذه الفصائل ترى في دخول السعودية إلى دائرة السلام العربي الإسرائيلي و حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين تهديداً لوجودها و دورها في حل القضية، فهذه الفصائل في جزء منها لا تؤيد حل القضية الفلسطينية عبر المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، و ترى في عقد اتفاقياتٍ عربية إسرائيلية تخلياً عن فلسطين التاريخية بحدودها من البحر إلى النهر، خصوصاً أن هذه الفصائل تدرك جيداً أن السعودية هي أهم دولة إقليمية عربية، و أن اتفاقاً سعودياً إسرائيلياً سيُشكل نقطة تحول في العلاقات العربية الإسرائيلية.
كما أن الكثير من هذه الفصائل، يرى أن احتمالية حل القضية الفلسطينية عبر حل الدولتين تهديداً لوجوده، إذ أن في هذه الأحوال تنتفي مسببات وجوده و تلغى شرعية هذا الوجود (ألا و هو التحرير)، فإذا تم حل الدولتين ما الداعي لوجود هذه الجماعات و احتفاظها بسلاحها و عتادها، و بالتالي تتوجسُّ هذه الفصائل كثيراً من احتمال الدخول السعودي إلى دائرة الاتفاقات العربية الإسرائيلية.
أما إذا أردنا النظر بصوة عامة إلى تأثير هذه الأحداث على المسار السعودي اتجاه التسوية الفلسطينية و العلاقات مع إسرائيل فيمكن القول أنها لن تحمِل تأثيراً سلبياً لأسباب عديدة منها:
إن المملكة العربية السعودية اليوم أمام خيارين فيما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، اما التراجع عن التسوية السلمية عبر المفاوضات لأن الأحداث الأخيرة فضحت ضعف الآلة العسكرية الإسرائيلية و أن إسرائيل ليست سوى نمرٍ من ورق و بالتالي هناك أمل من جديد بتحقيق تقدم في حل القضية عبر الأسلوب العسكري، و إما الإكمال في مسار المفاوضات و التسوية السلمية و هذا الخيار هو الأرجح بنسبة ٩٠ في المئة لدى القيادة السعودية، لأن الرؤى السعودية الاستراتيجية اليوم تقوم على تصفير المشاكل في المنطقة و خفض التصعيد في كل المجالات و العمل على تسوية كافة المشكلات عن طريق الدبلوماسية و إبعاد أي عوامل توتر قد تقف حجر عثرة في وجه تحقيق رؤية ٢٠٣٠ و ما بعدها من رؤى تهدف إلى تحويل منطقة الشرق الأوسط من دوامة الصراع إلى عجلة النمو.
و بالتالي فإن السعودية ستدخل في المفاوضات حول التسوية مع الجانب الإسرائيلي من موضع قوة أكبر، فإسرائيل لن يكون موقفها قوياً في المفاوضات كما قبل، فهيبتها العسكرية قد كُسرت، و فُضَحَ ضعفُها الاستخباراتي و العسكري و بالتالي فإن إسرائيل لم تعد تستطيع تقديم نفسها في المفاوضات على أنها قوة عسكرية لا تهزم و بالتالي فإن الدول العربية مجبرة على التعامل معها عن طريق الوسائل السلمية، بل ستُقدَّمُ في المفاوضات على أنها دولةٌ ذا نظام أمني عسكري هَشّ و بالتالي فلا مهرب لها من تقديم التنازلات أمام الدول العربية لضرورة حل المشكلة عن طريق الوسائل السلمية لأن زمن التفوق العسكري الإسرائيلي قد مضى و مر عليه الزمن، و بالتالي فإن موقف الجانب العربي في أي مفاوضات مقبلة سيكون أقوى من ذي قبل مقابل موقف إسرائيلي أضعف، ما يتيح للمملكة العربية السعودية أن تحصل على تنازلاتٍ أكبر من الجانب الإسرائيلي حول الحقوق الفلسطينية في إقامة دولة مستقلة عند إجراء أي محادثات ثنائية بهذا الشأن.
ثالثاً-تداعيات الانتخابات الرئاسية المصرية:
إن جمهورية مصر دولة عربية إقليمية لها وزن على صعيد القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من تراجع نفوذها في الفترة الحالية و ضعف تأثيرها إلا أنها لا تزال تتمتع بدور فعال على المستوى العربي خصوصاً لجهة تاريخها في الصراع مع إسرائيل و لكونها من أكثر الدول تأثيراً على قرارات الجامعة العربية، فضلاً عن كونها الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك حدوداً برية مع قطاع غزة ما يجعلها أكثر الدول العربية تأثيراً على مجريات الأحداث في القطاع.
و إنه من المعروف مدى تعاطف المصريين مع الشعب الفلسطيني في قضيته، و لهذا فإنه من المفيد للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي أن يدعم القطاع إنسانياً عبر معبر رفخ و دبلوماسياً عبر علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، لأن هذا الدعم قد يشكل أقوى عامل من عوامل الدعاية الانتخابية له نظراً لأن المصريين يعطون أولوية كبيرة للقضية الفلسطينية على باقي القضايا الأخرى.
إضافة إلى مسألة الانتخابات، فإن مسألة دخول دولة إقليمية عربية بحجم المملكة العربية السعودية إلى دائرة الاتفاقات العربية الإسرائيلية بشأن السلام و حل القضية الفلسطينية يحمل معه تهديداً للدور المحوري الذي تلعبه جمهورية مصر العربية على هذا الصعيد، كما إنه من المعلوم أن النظام السياسي في مصر منذ عام ١٩٥٢ يستند بشكل كبير إلى تأييد الجيش للحكم بسبب العقيدة العسكرية المصرية الموجهة ضد إسرائيل، و أن الرئيس المصري لا بد يحمل خلفية عسكرية (و هذا أمر عرفي) تحظى بدعم الجيش المصري، و بالتالي فإن حل القضية الفلسطينية و زوال مقومات الصراع العربي الإسرائيلي سيؤدي إلى تحول كبير في العقيدة العسكرية للجيش المصري و بالتالي تحول كبير في النظام السياسي الذي يستند إلى الجيش، ما يمكن أن تفسيره بأن بقاء بعض خطوط التوتر على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي من شأنه أن يساهم في ثبات و استقرار نظام الحكم في مصر.
رابعاً- تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية:
في أحد المحاضرات التي ألقاها حول الشرق الأوسط، وصف عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور كميل حبيب أوكرانيا بإسرائيل الثانية المتواجدة في أوروبا، و شبهها بإسرائيل المتواجدة في الشرق الأوسط، و ربما تنبع هذه التشبيهات من خلال إشتراك الدولتين في العديد من الخصائص التي من أبرزها دعم اللوبي اليهودي للدولتين ( ضد روسيا الأرثوذكسية و ضد العرب المسلمين)، و دعم الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها في حلف شمال الأطلسي لهما، و لكونهما جسماً سياسياً غريباً في المناطق الجغرافية محل تواجدهما.
إسرائيل تتواجد كقاعدة عسكرية أميركية في منطقة تسودها الدول العربية ، بينما تتواجد أوكرانيا أيضا كمشروع قاعدة عسكرية لحلف شمال الأطلسي التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة تعتبر منطقة نفوذ إقليمي للاتحاد الروسي و منطقة أمن قومي بالنسبة له، و بالتالي فإن روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي الذي دعم الدول العربية في مواجهة إسرائيل في السابق، قد ترث سياسته هذه و تتجه أيضا إلى دعم الدول العربية في مواجهة إسرائيل كردٍ على الدعم العسكري المستميت لأوكرانيا في حربها مع روسيا.
جهودٌ عربيةٌ مشتركة لوقف الهجوم على غزّة.. هل تنجَحُ المحاولات العربية في وقف القتال؟
منذ بدء التصعيد بين الجانبين الإسرائيلي و الفلسطيني، بدأت الجهود الدبلوماسية العربية لتخفيف حدة التوتر و محاولات وقف التصعيد، حتى إنها شملت اتصالات عربية و إقليمية بين دولٍ عديدة، اتفق خلالها جميع الأطراف على هدفٍ واحد و هو وقف الهجوم على قطاع غزة و احترام حقوق السكان المدنيين المتواجدين في القطاع.
و في هذا الإطار أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن المملكة "تبذل جهودا حثيثة في التواصل الإقليمي والدولي بهدف التنسيق المشترك لوقف أعمال التصعيد الجاري" في الصراع بين إسرائيل وحماس.
وأشار البيان الذي أوردته وكالة الأنباء السعودية إلى أن الأمير محمد بن سلمان أكد خلال الاتصال على "موقف المملكة برفض استهداف المدنيين بأي شكل إزهاق أرواح الأبرياء، والتأكيد على ضرورة مراعاة مبادئ القانون الدولي الإنساني، وعلى ضرورة وقف الهجوم على قطاع غزة".
وأضاف البيان أن ولي العهد السعودي شدد على موقف المملكة الثابت تجاه مناصرة القضية الفلسطينية ودعم الجهود الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة.
وأفادت واس بأنّ ولي العهد بحث هاتفيا الأزمة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تم فيه الاتفاق على ضرورة تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لوقف التصعيد في غزة ومحيطها ومنع اتساعه في المنطقة. كما بحث ولي العهد السعودي الأزمة مع ملك الأردن عبد الله الثاني.
كما تلقى ولي العهد اتصالاً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بحثا خلاله الوضع في غزة.
و حول الموقف المصري، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى إن مصر تتابع باهتمام بالغ تطورات الأوضاع في المنطقة، محذرا من تصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى.
وأوضح السيسي أن مصر تكثف اتصالاتها على جميع المستويات لوقف جولة المواجهات العسكرية الحالية، حقناً لدماء الشعب الفلسطيني، وحماية المدنيين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مشددا على أن السلام العادل والشامل القائم على حل الدولتين هو السبيل لتحقيق الأمن الحقيقي والمستدام للشعب الإسرائيلي.
كما وجه الرئيس المصري بإرسال قافلة مساعدات إنسانية وإغاثية إلى فلسطين، وذلك بعد ساعات قليلة من تحذير السلطات الإسرائيلية بقصف أي مساعدات توجه للقطاع، وتضم قافلة المساعدات أطباء من جميع التخصصات وأدوية وأجهزة طبية.
وكانت القناة 12 الإسرائيلية قد نقلت، عن مصادر إسرائيلية أنه تم توجيه رسالة إلى مصر مفادها أنها ستقصف أي قوافل أو شاحنات تنقل مساعدات لغزة.
وكانت مصر قد ردت سريعا على تصريحات متحدث عسكري إسرائيلي، نصح فيها الفلسطينيين الفارين من الضربات على غزة بالتوجه إلى مصر، وقالت المصادر لوسائل إعلام مصرية، إن القضية الفلسطينية تشهد الآن منعطفا هو الأخطر في تاريخها، حيث بات واضحا أن هناك مخططا واضحا لتصفية الأراضي الفلسطينية المحتلة من أصحاب الأرض وسكانها، وإجبارهم على تركها بتخييرهم بين الموت تحت القصف الإسرائيلي أو النزوح خارج أراضيهم.
و إن نجاح اي طرف في التوصل إلى وساطة بين الجانبين مرهونٌ بمدى تجاوب الفصائل الفلسطينية المسلحة لمطالب التهدئة و بمدى استعداد الجانب الإسرائيلي للجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد أن تلقى صدمة عسكرية كبيرة، إذ لم تشهد إسرائيل منذ حرب التحرير في عام ١٩٧٣ مثل هذه الأحداث على أرضها، و بالتالي إن إسرائيل لم تستفق بعد من صدمتها، و إن تحليل السيناريوهات المحتملة لتحليل مسار الحرب، مرهون بشكل أكبر بالجانب الإسرائيلي سواء لجهة عزمه على حل الصراع بشكل واقعي براغماتي أم بطريقة شعبوية انتقامية لإعادة الصورة المثالية لأسطورة الردع الإسرائيلي، و بالتالي فإن ما نراه الآن هو توجه لدى الجانبين للذهاب في نفس وتيرة التصعيد، إلا أن كلاهما قد يغير إستراتيجياته مع الوقت بحسب تغير الحسابات الداخلية و الخارجية بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار التداعيات العسكرية و الاقتصادية لاستمرار القتال بالإضافة إلى مواقف الدول العربية و الدول الكبرى، و هذا ما سيتكشف خلال الساعات القادمة بعد إعلان برنامج حكومة الطوارئ الإسرائيلية و تبيان مواقف الفصائل الفلسطينية من حيثُ ردات الفعل على مقررات هذه الحكومة..
اتصالاتٌ عربيةٌ مُكثّفة.. هل يُمكن الحديث عن وحدة صفٍّ عربيّة؟
وعلى الرغم من الضغوطات الغربية التي تتعرض لها الدول العربية لإدانة هجوم حماس من قبل الدول العربية و اعتباره هجوماً إرهابياً بما يتوافق مع وجهة النظر الغربية و الإسرائيلية، إلا أنه لم يصدر اي بيانُ إدانة من جانب أي دولة عربية للهجوم.
و قد حاولت الولايات المتحدة و إسرائيل استغلال بعض الخلافات السياسية بين بعض الدولية العربية الداعمة لحماس مع دول عربية أخرى، إلا أنه حتى الدول التي لديها خلافات مع بعض داعمي حماس لم تُحمل الجانب الفلسطيني مسؤولية التصعيد، بل قالت إن تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني و حرياته الأساسية و التعنت الإسرائيلي في المضي قدماً في مفاوضات السلام و الاعتراف بحق الفلسطينين بإقامة دولة مستقلة كان السبب الأساسي في التصعيد الحاصل، و إنه لا مجال لأن تنعم المنطقة بالأمن و السلام إلا من خلال حل شامل و عادل للقضية الفلسطينية.
و أكد جميع المسؤولون و الرؤساء العرب و في مقدمتهم ولي العهد السعودي و الرئيس المصري و أمير قطر و ملك الأردن على تمسكهم بالقضية الفلسطينية و عزمهم على المضي قدماً في العمل على ضمان حقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة، بالإضافة إلى استنكار الهجوم الفوضوي الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة دون التمييز بين مسلح و مدني، و بين منشأة عسكرية و مستشفى..
و إنه على الرغم من بعض الخلافات السياسية البينية بين الدول العربية بعضها البعض، و التي بدأت تزول تدريجياً منذ سنواتٍ قليلة مع عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية و الإقليمية إلى المسير نحو التحسن و عودة التآخي العربي، يمكننا القول أننا نتجه لنكون أمام مشهد من وحدة الصف العربي حول مسألة الصراع الدائر بين إسرائيل و قطاع غزة، بل و بالذهاب أبعد من ذلك، يمكن أن يكون التوحد في الآراء و المواقف العربية حول هذه المسألة أن يدفع بالعلاقات العربية-العربية و العلاقات العربية مع الدول الإقليمية نحو تحسن ملحوظ لم تكن ،لتشهده بهذه الوتيرة السريعة لولا حدوث هذه الأزمة، إذ لا بُدّ من أن تَعِيَ جميع الدول و الشعوب العربية أن قوتها في وحدة صفها و تضامنها، و أن التناحر البيني الناتج عن النزغ الغربي بين الدول العربية لتقويض العلاقات الثنائية ليس إلا تطبيقاً لمبدأ فرّق تسُد الذي لطالما اعتمده الغرب بهدف تحقيق سيطرته على الشعوب و الدول في منطقة الشرق الأوسط و غيره من المناطق الذي يسعى الغرب لتوسيع نفوذه فيها، و أن حل المشكلات الداخلية في العالم العربي و تصفير المشاكل في العلاقات بين مختلف الدول العربية و الإقليمية هو الخطوة الأولى في طريق حل مشكلات الوطن العربي بشكل فعال و على رأسهم القضية الفلسطينية..
وعلى أية حال؛ السياسات عبر التاريخ تتجدد وتتغير، بحسب اتساع أفق العلاقات والمصالح، وكذلك الشعوب تتغير طريقة تفطيرها، وبالتالي يلزم أن تغير الأنظمة العربية النمطية، إلى تفهم للمتغيرات، وتعاون أوسع نحو مصالح أكبر.
بما في ذلك إسرائيل، التي مازالت قيادات مؤثرة فيها ، أن الحرب هي جزء من عقيدة اليهودي، وأن أن الصلح مع العرب سيفقد اسرائيل ميزات الدعم الغربي: سياسية واقتصادية وعسكرية، واعذار لتنمية قدراتها التسليحية. فيما يرى آخرون في إسرائيل، أن الصلح سيكون تبعاته الجيدة لإسرائيل أكبر من كل الدعم الغربي الذي لايفعل إلا ما يتوافق مع مصالحه.
إضافة إلى قضية القدي كهاصمة لدولة فلسطين، هناك موقف متزمت تتوافق فيه أفكار إسرائيلية مع دولة عربية.
إذا؛ الصراع؛ هو صراع مصالح متوارثة في الفكرة والإدارة.. حتى أصبحت مملة ولا قيمة لها.. وأعتقد أن ذلك الفكر ستغيرها سياسات جديدة أكثر فهماً ونضجاً.