قِراءةٌ في خارِطةِ التّوازُنات في المنطِقة العربية - تقرير خاص "بث"
هلْ سَيؤولُ السلام مع إسرائيل إلى تَحقيق مَطالِبِ العَرَب؟ وَ ما هيَ أبعادُهُ و أبعادُ مشروعِ ربطِ الهند بأوروبا عبرَ إسرائيل و دولِ الخليج؟
تقرير خاص- بث
إن بِدايةَ القرن العشرين مع كلّ ما تحملهُ من أهمية عامة للتاريخ البشري، لكونِها نُقطة تحوّل في كافة المجالات السياسية و الاقتصادية سواء في أوروبا و باقي الدول المركزية على الخارطة السياسية آنذاك،بدءً من تصاعد الروح القومية في أوروبا و اشتداد الصراعات بين الدول الأوروبية على الموارد و استعمار أراضي أفريقيا و الأمريكيتين بالإضافة إلى أجزاء من شبه القارة الهندية من جهة، و بدايةِ تصاعد الروح القومية العرقية في الدولة العثمانية التي كانت تعد من الدول المركزية و تَزعزُع ثبات نظام الحكم فيها بدءً من فرض الدول الأوروبية شروطاً سياسية عليها بسبب ديونها المرتفعة، وصولاً إلى فرض دستور عثماني مشابه للدساتير الأوروبية، و فرض سلاطين جدد لا يشكلون حجر عثرة في وجه الاختراق الأوروبي للدولة العثمانية عبر القوة العسكرية.
ما يهمنا في هذه اللمحة التاريخية عن نهايات الدولة العثمانية، هو كونها آخر حكم مركزي للكثير من الشعوب التي كانت تخضع للحكم العثماني، و منهم العرب و الأكراد و بعض الفرس و الأمازيغ إضافة إلى جزء من اليونان و بعض الشعوب الأوروبية في البلقان و أوروبا الشرقية، و لهذا فقد أدى انهيار الحكم العثماني إلى تحولاتٍ تاريخية في الأراضي التي استقلت عن الدولة العثمانية بعد سقوطها، هذه الأراضي التي كانت تعتبرها الدول الأوروبية بمثابة ميراثٍ بَقِيَ لها عن الدولة التي كانت تُلقَّبُ في آخر أيامها ب"الرجل المريض".
حَرَكاتُ التّحرّرِ العربِية و تبنّي المَسألة الفِلسطينية.. مَرحلةُ استِحَالةِ السّلام:
و بما أن الحِسّ القومي كان موضةَ العَصر في تلك الفترة، فلا بد أن تنال الشعوب التي كانت خاضعة للحكم العثماني نصيبها منه، و خصوصاً الشعوب العربية التي انتشرت بينها الحركات القومية عبر العديد من الجمعيات و الأحزاب المعروفة، و أشهرها الجمعية العربية الفتاة، لكن حركات الاستقلال العربية بعد تفكك الدولة العثمانية اصطدمت المطامع الاستعمارية للدول الأوروبية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، لا سيما فرنسا و بريطانيا، لتصبح الأراضي العربية بعد ذلك خاضعة للاستعمار الأوروبي قبل أن تتوالى حركات التحرر من الدول الغربية و تبدأ الدول العربية بالحصول على الاستقلال واحدة تلو الأخرى، ما عدا دولةٍ واحدة و هي فلسطين التي لا زالت تخضع للإحتلال الإسرائيلي، عدا عن كون المسألة الفلسطينية منذ ما يقرب الثمانين عاماً من أكبر عوامل الفوضى و اللا استقرار في العالم العربي.
مشهد الصراعات السياسية والعسكرية بين العرب وإسرائيل معقد وعميق الجذور، و قد أدت المسألة الفلسطينية التي حملها العرب منذ بدايتها إلى تكبد الشعوب و الدول العربية كافة؛ أثماناً باهظة من خلال عقودٍ من الصراع و الحروب و التوترات السياسية و الدبلوماسية مع كل الدول الداعمة لإسرائيل.
و فيما يلي لمحةٌ عن أهم محطات الصراع العربي الإسرائيلي:
في أواخر القرن التاسع عشر بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومع نمو المستوطنات اليهودية، تصاعدت التوترات بين المهاجرين اليهود والسكان العرب. وقد أدى إعلان بلفور عام 1917، الذي أعربت فيه بريطانيا عن دعمها لـ "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، إلى تفاقم هذه التوترات.
و بعد الحرب العالمية الأولى، منحت عصبة الأمم لبريطانيا حق إدارة الأراضي الفلسطينية، ما أدى إلى تصاعد الصراع مع استمرار الهجرة اليهودية، و في عام 1947، اقترحت الأمم المتحدة خطة تقسيم من شأنها إنشاء دولتين يهودية وعربية منفصلة في فلسطين. وبينما قبلت القيادة اليهودية الخطة، رفضتها الدول العربية والعرب الفلسطينيون، مما أدى إلى الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في عام 1948.
1. الحرب العربية الإسرائيلية الأولى (1948-1949):
شهدت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وتدخل الدول العربية المجاورة. وخرجت إسرائيل منتصرة، لكن الصراع خلف مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين.
2. أزمة السويس (1956):
وفي عام 1956، اندلعت أزمة السويس عندما غزت إسرائيل، إلى جانب بريطانيا وفرنسا، مصر لاستعادة السيطرة على قناة السويس. وأجبرتها الضغوط الدولية على الانسحاب، لكنها أدت إلى تعميق التوترات الإقليمية.
3. حرب الأيام الستة (1967):
كانت حرب الأيام الستة عام 1967 لحظة محورية في الصراع، حيثُ شنت إسرائيل ضربة استباقية ضد مصر وسوريا والأردن واستولت على شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. وأدى ذلك إلى الاحتلال الإسرائيلي المطول لهذه الأراضي وتهجير السكان الفلسطينيين.
4. حرب أكتوبر " يوم الغفران" (1973):
أسفرت حرب أكتوبر " يوم الغفران" بحسب اسرائيل عام 1973، التي بدأتها مصر وسوريا، عن نجاحات عربية أولية قبل أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وسلط الضوء على استمرار التقلبات في المنطقة.
وشهدت الثمانينيات والتسعينيات مبادرات سلام مثل اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو. ومع ذلك، ظل السلام بعيد المنال، حتى حدثت بعض التطورات خلال السنوات الماضية و التي أدت إلى تغيير محوري في النظام الإقليمي و الأمني في المنطقة.
و لقد كان للصراع العربي الإسرائيلي تأثير عميق ومتعدد الأوجه على الأمن والاستقرار للدول العربية طوال تاريخه، إذ أدى إلى تداعيات خطيرة على مصالح الدول العربية و خصوصاً لجهة :
1. تحويل الموارد و استنزافها:
إذ تحويل قدر كبير من الموارد، المالية والبشرية، نحو النفقات العسكرية. حيثُ خصصت الدول العربية أجزاء كبيرة من ميزانياتها للحفاظ على جيوش دائمة كبيرة وشراء أسلحة متطورة لمواجهة إسرائيل. وغالباً ما يأتي ذلك على حساب الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية، ما تسبب في إعاقة التقدم الاجتماعي والاقتصادي في العديد من الدول العربية.
2. عدم الاستقرار الداخلي:
حيثُ كثيراً ما استخدمت الحكومات التي تواجه تحديات اقتصادية وسخطاً شعبياً قضية فلسطين ومعارضة إسرائيل كنقطة تجمع لصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية، وقد أدى هذا في بعض الأحيان إلى تغذية الاستقطاب السياسي والاضطرابات داخل هذه البلدان مثل الجزائر و مصر.
3. أزمة اللاجئين:
لقد ولّد الصراع العربي الإسرائيلي أزمة كبيرة للاجئين الفلسطينيين، حيث يعيش ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المجاورة ما أدى إلى استنزاف الموارد والبنية التحتية في هذه البلدان المضيفة، مما و إلى تحديات اجتماعية واقتصادية وتوترات سياسية.
4. التأثير على التحالفات الإقليمية:
لقد أثر الصراع العربي الإسرائيلي على تشكيل التحالفات الإقليمية والديناميات الجيوسياسية، وقد أقامت بعض الدول العربية، التي تسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة ضد إسرائيل، تحالفات مع قوى غير عربية مثل إيران كسوريا مثلاً و بعض الحكومات العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين، الأمر الذي أدى إلى صراعات إقليمية على القوى وزيادة المخاوف الأمنية، بالإضافة إلى خلق العداوات و التوترات بين الدول العربية مع بعضها البعض.
5. التأثير على الدبلوماسية والتعاون الإقليمي:
وقد أعاق الصراع المستمر الجهود الدبلوماسية والتعاون الإقليمي في مختلف القضايا. غالباً ما تربط الدول العربية علاقاتها مع الدول الأخرى بموقفها تجاه إسرائيل، الأمر الذي يمكن أن يعقد الجهود الدولية لمعالجة التحديات الإقليمية الملحة الأخرى، مثل مشكلة الأذرع الإيرانية و التدخل الإيراني فس شؤون الدول العربية والتنمية الاقتصادية.
6. الصراعات الداخلية بين منظمة التحرير و الأفرقاء العرب:
تنامت أنشطة منظمة التحرير في الأردن إلى حد أنها شكلت تحديًا لسلطة الحكومة الأردنية، حيثُ أدت الأعمال العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونفوذها السياسي إلى صراع على السلطة، و وصل الصراع إلى ذروته في سبتمبر 1970 عندما شن الجيش الأردني، بدعم من دول عربية أخرى، حملة عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية. وغالبا ما يشار إلى هذه الفترة باسم "سبتمبر الأسود"، و نجحت قوات الملك حسين في طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن، وانتهى الصراع بتوقيع اتفاق القاهرة عام 1971. ونتيجة لذلك، نقلت منظمة التحرير الفلسطينية مقرها الرئيسي إلى لبنان.
وأصبح وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان مصدراً آخر للتوتر، وأدى في النهاية إلى صراع عسكري طويل الأمد, أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها في جنوب لبنان وأجزاء من بيروت، مما أدى فعليًا إلى إنشاء دولة داخل الدولة. وأصبحت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان معقلاً لمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية.
كما ساهم وجود منظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب عوامل أخرى، في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وتكثيفها، حيثُ انخرطت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل اللبنانية المختلفة في شبكة معقدة من التحالفات والصراعات.
ثم شنت إسرائيل، التي تنظر إلى منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها تهديدًا كبيرًا، عمليات عسكرية في لبنان، لا سيما خلال حرب لبنان عام 1982، وأدى هذا الصراع إلى طرد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، و كانت بيروت و لا تزل العاصمة العربية الوحيدة التي دخلها الجيش الإسرائيلي و سيطر عليها.
اتفاقياتُ السلام العربية الإسرائيلية.. تحوُّلاتٌ مِحورية في التعامُل العَربيّ مع إسرائيل:
كانت كامب ديفيد و وادي عربة و اتفاقية أوسلو، نقاط تحول هامّةٍ جداً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فلأول مرة منذ ظهور الكيان الإسرائيلي بدأت تتغير النظرة العربية تجاه التعامل مع هذا الكيان الجديد الذي طرأ على المنطقة، و لأول مرة، طُرِحَت فكرة السلام و التعايش مع الكيان الإسرائيلي بدلاً من الصراع الدائم معه..
علماً أن هذه الاتفاقيات التي ذُكرت آنفاً، جاءت بعد حروب طويلة و عنيفة بين أطرافها، أما في الفترة المعاصرة، فكانت التحولات الجديدة في صورة اتفاقيات لم تسبقها صراعاتٌ عسكرية، بل على صورة اتفاقيات تطبيع العلاقات بشكل سلمي بالكامل، كالاتفاقيات الإبراهيمية التي جرت بين الإمارات العربية المتحدة و مملكة البحرين و السودان و المملكة المغربية و الكلام عن قرب انجاز اتفاقية تطبيع العلاقات بين إسرائيل و المملكة العربية السعودية ، ما أعطى للسلام معنًى مختلف، هل هو سلام مع إسرائيل بذاتها، أي سلامٌ ثنائي الأطراف بين العرب و إسرائيل، أم هو سلامٌ أشملُ من ذلك يتمثل بالتعاون بين العرب و إسرائيل للحفاظ على الأمن الإقليمي ضد أخطارٍ خارجية تُهدد أمن و استقرار الطرفين؟..
فَوائِدُ متبادلة:
إن إحدى أهم الفوائد الثنائية لاتفاقيات السلام هي تعزيز النمو الاقتصادي والتجارة، فقبل الاتفاقيات، كانت إسرائيل في كثير من الأحيان معزولة في المنطقة، مما حد من وصولها إلى الأسواق العربية، ومع تطبيع العلاقات، تمكنت الشركات الإسرائيلية من الوصول إلى سوق مشتركة تضم أكثر من 200 مليون شخص في الدول العربية التي وقعت على الاتفاقيات.
وبالمقابل، استفادت الدول العربية من الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية في مختلف القطاعات، بما في ذلك الأمن السيبراني والزراعة والرعاية الصحية، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تعطي الأولوية لإسرائيل في تصدير أحدث صيحات التكنولوجيا و الابتكارات الأميركية سواء على صعيد الصناعات الحربية أو الدوائية أم الأمنية، وهذا التكامل الاقتصادي ساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والتنويع في البلدان المشاركة، وخلق فرص العمل وزيادة مستويات الدخل عند جميع الأطراف.
كما عززت الاتفاقيات التعاون الأمني بين الدول الموقعة، وقد شجعت المخاوف المشتركة بشأن الاستقرار الإقليمي والتهديد الذي تشكله إيران، الدول العربية و إسرائيل على تبادل المعلومات الاستخبارية وإجراء التدريبات العسكرية المشتركة، وهذا التعاون يهدف بالدرجة الأولى إلى تحسين أمن إسرائيل و الدول العربية ، مما يساهم في جعل المنطقة العربية أكثر استقرارًا وأمانًا من خلال ردع التدخلات الإيرانية و العمل على مواجهة أزمة الأذرع الإيرانية في الدول العربية مثل سوريا و العراق و اليمن و لبنان.
ومن وجهة النظر الجيوسياسية، أعادت اتفاقيات السلام تشكيل التحالفات وخلقت نظامًا إقليميًا أكثر ديناميكية وتوازنًا. حيث كان للتحالفات الجديدة القدرة على العمل كثقل موازن لنفوذ إيران في المنطقة، والمساهمة في الاستقرار والأمن الإقليميين.
المملكة العربية السعودية كَعُنصرٍ جَديد في عملية السلام العربي الإسرائيلي:
حيثُ أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية أن المملكة "تحقق تقدماً" باتجاه التطبيع مع إسرائيل.
وقال ولي العهد السعودي: "نقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
وأضاف الأمير محمد بن سلمان : "هناك دعم من إدارة الرئيس بايدن للوصول إلى تلك النقطة. وبالنسبة لنا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية. نحتاج إلى حل لها، ولدينا مفاوضات متواصلة حتى الآن. وعلينا أن نرى إلى أين ستمضي. نأمل أن تصل إلى مكان تسهل فيه الحياة على الفلسطينيين وتدمج إسرائيل في الشرق الأوسط".
و من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، إن اتفاقاً إطارياً توسطت فيه الولايات المتحدة لإقامة علاقات بين إسرائيل والسعودية قد يتم إبرامه بحلول بداية العام المقبل.
و إن انضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقيات أبراهام لا يشبه انضمام الدول التي سبقتها، فالمملكة دولة إقليمية لها ثقلها على المستوى العربي و الإسلامي على حد سواء، و بالتالي فإن أي تغيير في السياسات السعودية تجاه مسألة العلاقات مع إسرائيل سيؤدي إلى تحول كبير في وجهات النظر تجاه هذه المسألة في العالم الإسلامي كله من شرقه إلى غربه.
كما ان المملكة العربية السعودية لطالما عُرفت بدعمها للقضية الفلسطينية و لحقوق الشعب الفلسطيني في حياة كريمة يسودها الاستقرار و الأمان، لكن التحولات الجيوسياسية المحيطة بالمنطقة و العالم، بالإضافة إلى الاستراتيجيات الكبرى للمملكة العربية السعودية تُحتِم انتهاج سياساتٍ براغماتية تتماشى مع مصلحة المملكة والمصالح العربية والاسلامية، في ظل الوقائع المعاصرة.
من أقوال فريدمان
في هذا الإطار قال توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، بعد اجتماعه مع بايدن الأسبوع الماضي، أن المطالب السعودية من إسرائيل يمكن أن تشمل وقف التوسع الاستيطاني، وتعهدا بعدم ضم الضفة الغربية، التي يريد الفلسطينيون أن تكون قلب دولة مستقبلية، لكن إسرائيل تحتلها منذ عام 1967.
خطوة إيجابية تجاه الفلسطينيين
وقال مسؤولون سعوديون إن المملكة ستحتاج أيضا إلى خطوة إيجابية كبيرة من إسرائيل تجاه الفلسطينيين، على الرغم من أنهم لم يوضحوا ما سيترتب على ذلك.
و بحسب تقارير موقع أكسيوس الأميركي ، فإنه من المتوقع أن يسافر بريت ماكغورك، كبير مستشاري الرئيس بايدن لشؤون الشرق الأوسط، إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع للقاء كبار المسؤولين الفلسطينيين ومناقشة العنصر الفلسطيني المحتمل في "صفقة ضخمة" محتملة بين الولايات المتحدة والسعودية.
أبعادُ حِساباتِ المَصالِح في التطبيع بين إسرائيل و المملكة العربية السعودية:
إن المملكة العربية السعودية و كجزء من الاستراتيجيات الجديدة التي تعتمدها في إدارة السياسات الخارجية و القضايا العالقة منذ زمن دون أن تُحلّ بشكل كليّ، و بشكل خاص حل الأزمة الفلسطينية، تتجه إلى تبني إستراتيجيات جديدة مختلفة عن كافة السلوكيات التي سلكتها الدول العربية من قبل، حيث تذهب المملكة العربية السعودية إلى التعامل مع إسرائيل بنفس سياساتها، أي من خلال الدبلوماسية الناعمة و استخدام عناصر الضغط البعيدة عن الطرق العسكرية التي لطالما اتبعتها الدول العربية سابقاً.
بتعبير أوضح، إن المملكة العربية السعودية لن تقدم على خطوة تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون ضمان مكاسب ذات أهمية كبرى على صعيد حل القضية الفلسطينية وضمان حقوق الفلسطينين بشكل خاص بالإضافة إلى ضمان مكاسب للعرب كافة بشكل عام، من خلال إنهاء حالة الاستنزاف السياسي و العسكري التي عاشتها الكثير من الدول العربية بحجة مقاومة إسرائيل عسكرياً، لا سيما أن الشرط السعودي الأهم كان ضمان إقامة دولة فلسطينية يتمتع فيها الفلسطينيين بكافة حقوقهم المدنية و السياسية كخطوة أولية لإنهاء المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ عقود، و يمكن توضيح هذه الأفكار من خلال عدة أبعاد منها:
أولاً: إدراك كافة الأفرقاء العرب بما فيهم المملكة العربية السعودية أن أي محاولات لحل المسألة الفلسطينية و ضمان أي حقوق مدنية أو سياسية للفلسطينيين لا يمكن أن يتم بمعزل عن التفاهمات مع إسرائيل، فحتى منظمة التحرير الفلسطينية ذهبت إلى التفاهم مع إسرائيل لضبط مسألة حل الدولتين و تسوية أوضاع الضفة الغربية و غزة فيما عرف باتفاق أوسلو.
ثانياً: السلوك الخاطئ من بعض حركات التحرر الفلسطينية التي سلكت سلوكاً معادياً للمملكة ولبعض الدول العربية نتيجةً لتلقيها مساعداتٍ مالية و لوجستية من دول معادية، الأمر الذي صعّب التنسيق الكامل بين القيادة السعودية و كافة حركات التحرر الفلسطينية.
ثالثاً:إن إسرائيل تُدرك مدى أهمية المملكة العربية السعودية كدولة إقليمية لها وزنها الكبير على الصعيد العربي والإسلامي و بالتالي فهي تسعى إلى تحسين العلاقات مع المملكة كخطوة أولى للتقارب مع العالم الإسلامي.
رابعاً: إن المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر عشرين اقتصاد في العالم و هي عضو في مجموعة العشرين، و بالتالي فهي ليست بحاجة إلى الأسواق الإسرائيلي لتنمية اقتصادها، بل على العكس، قد تكون إحدى اهم الأسباب لدى إسرائيل للتقارب مع المملكة العربية السعودية هي جذب الاستثمارات السعودية إلى الداخل الإسرائيلي، و في المقابل قد تستفيد المملكة من استيراد التقنيات الإدارية و المعلوماتية وبعض الصناعات من إسرائيل.
خامساً: إن المملكة العربية السعودية التي تسعى إلى تسليح جيشها بأحدث الأسلحة قد تواجه احياناً بعض المعوقات في استيراد بعض الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد اهم مصدر للسلاح السعودي، و يعود ذلك إلى التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن إسرائيل و بالتالي فإن توريد الولايات المتحدة الأمريكية بعض انواع الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط قد يكون مرهوناً بالموافقة الإسرائيلية أو بتقدير الإدارة الأمريكية أن توريد هذه الأسلحة لا يشكل خطراً على أمن إسرائيل، و بالتالي فإن عقد اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية و إسرائيل قد يسهل على المملكة استيراد كافة انواع الأسلحة المتطورة دون قيود معقدة.
سادساً: إن الدول العربية معنية أكثر من غيرها بالمخاوف المتعلقة بتنامي قدرات إيران النووية، وعلى الرغم من التقارب الدبلوماسي في الفترة السابقة بين المملكة و إيران عبر إعادة فتح القنصليات الدبلوماسية و تبادل الممثلين الدبلوماسيين، إلا أن إيران لا تخفي عدائها المباشر للدول العربية و المستمد من اعتبارات قومية و طائفية، ولهذا فإن تطوير إيران للسلاح النووي قد يكون عاملاً مدمراً للأمن القومي العربي.
كما أن القيادة السعودية لم تستبعد تطوير سلاح نووي إذا ما تطلب الأمر، فقد صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المقابلة مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية بأنه إذا نجحت إيران في تطوير سلاح نووي، "سيتعين علينا أن نحصل على سلاح نووي".
هل سَيُحقُق السلامُ الغاياتَ العربية؟ و هل تخطو الدول العربيةُ خطواتها نحو السلام من مَوضِعِ قُوّةٍ أو مَوضِعِ ضَعفْ؟
أمَاْ و قدد سردنا مُجمَلَ الغاياتِ العربية من تطبيع العلاقات بشكل سلمي مع إسرائيل، فلا مناصَ من الخوض في مآلاتِ هذا السلام، فهل سيؤول إلى تحقيق مصلحة الدول العربية أم يكون مجرد مسايرةٍ للإدارة الأميركية مع تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والتقنية والتجارية لكلا الطرفين؟!..
بادِئَ ذي بِدء، إن الدول العربية و بخاصة الدول الخليجية بما فيهم المملكة العربية السعودية ليس لديها ما يجبرها على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، َ إنما قد تكون هذه الخطوات من قبل الدول العربية بمثابة انتهاج سياسات براغماتية و أكثر واقعية بعيداً عن السياسات التقليدية تجاه إسرائيل و التي لطالما سادت في المنطقة العربية.
إن القدرات العسكرية المتنامية للدول العربية مع زيادة التدريب و تنويع مصادر الأسلحة يجعل من إسرائيل قلقةً بشأن تزايد القدرات العسكرية للعرب، و لهذا يمكننا القول أن هناك ما يجعل من إسرائيل تحاول استغلال أي فرصة التطبيع علاقاتها مع الدول العربية على وجه السرعة، ألا وهو العامل الأمني.
كما ان الولايات المتحدة الأمريكية، لطالما كانت لديها مخاوف من تنامي القدرات العسكرية العربية، و بالتالي فإنها كانت تنتهج سياسات حذرة في التعامل مع النظام الإيراني بحكم كونه يشكل تهديداً للعرب، و بشكل أوضح، عندما كان العرب يشكلون تهديداً أمنياً لإسرائيل في ثمانينات القرن الماضي إبان الحرب العراقية الإيرانية، قامت إسرائيل بدعم النظام الإيراني سراً ضد العراق، على مبدأ عدو عدوي هو صديقي بطبيعة الحال، و لهذا حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على بقاء النظام الإيراني كأداة تهديد للدول العربية بهدف خلق توازن إقليمي يضمن عدم تفوق الدول العربية عسكرياً ف المنطقة بهدف ضمان أمن إسرائيل، إلا أن القاعدة اليوم قد اختلفت، فتقارب الدول العربية مع إسرائيل يعني إزالة الهواجس الإسرائيلية و الأميركية تجاه العرب، و بالتالي إمكانية التعامل الأميركي بشكل أعنف مع النظام الإيراني، لا سيما أنه بدأ يشكل قاعدة إستراتيجية جديدة للصين و روسيا في الشرق الأوسط.
الشعوب العربية و الإسلامية .. خلط بين السياسة و العاطفة:
و بالتالي فإن قيام الدول العربية بالتقارب الدبلوماسي مع إسرائيل قد يكون ربحاً صافياً، عدا بعض السخط الشعبي من قبل بعض الشعوب العربية و الإسلامية التي لا تزال تخلط بين السياسة و العاطفة، إذ أن كثيراً من الشعوب لا تعي أن التقارب الدبلوماسي المبنى على المصالح السياسية و تبادل المنفعة، لا يعني أبداً أن الدول العربية شعوباً و قيادات يؤيدون وجود الكيان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية و يدعمونه ضد الفلسطينيين، بل أن التعامل مع هذا الكيان أصبح ضرورة إستراتيجية و جيوبوليتيكية لمواجهة مشروعات تتجه بالعرب إلى التمزق والضعف. مشروعات فاق ضررها على الدول العربية أضعاف الضرر الذي ألحقته إسرائيل بالعرب مباشرة منذ ١٩٤٨.
هذا لا يعني أيضاً أن الدول العربية بقياداتها و شعوبها قد تخلت عن الفلسطينيين و بخستهم حقوقهم في أرضهم و تاريخهم العربي، لكن المسألة قد تكون مجرد ترتيب للأولويات بحسب مقتضيات الضرورة الحالية.
تَداخُل الاقتصاد و السياسة.. الدول العربية و إسرائيل كصِلةِ وصلٍ بين شرق آسيا و أوروبا:
ففي وقت سابق، أعلن الأميرمحمد بن سلمان توقيع مذكرة تفاهم لعمل ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وفقا للتلفزيون الرسمي السعودي، حيث وقّعت الرياض وواشنطن مذكرة تفاهم بشأن بروتوكول يهدف إلى تأسيس ممرات عبور خضراء عابرة للقارات.
كما أعلن بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن المشروع خلال قمة مجموعة العشرين السنوية، وهو جزء من مبادرة أطلق عليها الشراكة من أجل الاستثمار في البنية التحتية العالمية.
وقال جيك سوليفان : "نعتقد أن المشروع نفسه جريء ويمكن أن يغير مجرى الأمور، لكن الرؤية خلف المشروع جريئة ومغيرة بنفس الدرجة، وسنرى تكرارها في أنحاء أخرى من العالم أيضا"، وسيتضمن الهند والسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، وفق ما صرح به جيك ساليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن.
وقال جون فاينر نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للصحفيين خلال القمة السنوية للمجموعة في نيودلهي إن الاتفاق سيعود بالنفع على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في المنطقة، ويتيح للشرق الأوسط الاضطلاع بدور حاسم في التجارة العالمية.
وأضاف أن خطة الشرق الأوسط هي أكثر من مجرد مشروع للبنية التحتية، قائلا إن الاستراتيجية الشاملة تركز على "خفض درجة الحرارة" في منطقة كانت تاريخيا "مصدرا صافيا للاضطرابات وانعدام الأمن".
وتابع فاينر أنه من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن الاتفاق يساعد على "خفض التوتر في أنحاء المنطقة" و"التعامل مع الصراع حيثما نراه".
وذكر ساليفان أن الشبكة تعكس رؤية بايدن "لاستثمارات أبعد" تأتي من "القيادة الأميركية الفعالة" والاستعداد لتقبل دول أخرى كشركاء. وأضاف أن البنية التحتية المعززة ستدفع النمو الاقتصادي، وتساعد على التقريب بين الدول في الشرق الأوسط وتقديم تلك المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادي بدلا من "مصدر للتحديات والصراع أو الأزمات".
أبعادُ مشروع خط التجارة الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي:
لا شك أن للاقتصاد تأثيراً كبيراً على مجريات الحياة السياسية سواء السياسات الداخلية للبلدان أم إستراتيجيات السياسة الدولية و الخارجية، و إن السياسة لهيَ الوقود المحرك الأهم للعمليات الاقتصادية و التبادلات التجارية بين كافة بلدان العالم.
و إن كون المملكة العربية السعودية هي التي قامت أولاً بالإعلان عن المشروع، يعني أن المملكة ليست مجرد شريك عادي فيه، بل أنها مؤسس و مخطط لمثل هذا المشروع الضخم الذي قد يكون له آثار هامة على الخريطة الاقتصادية العالمية.
كما يظهر أيضاً من خلال تصريحات المسؤولين السعوديين و الأجانب أن هناك ثِقلٌ كبير لوجهة النظر السعودية في انتقاء الدول الشريكة في خط التجارة الجديد، حيثُ تم استبعاد الدول غير المستقرة، وبالذات اقتصادياً، وهذه الدول عرضة دائماً لتلقبات سياسية و تغيير في الأنظمة والتنظيمات، إضافة إلى أن إستراتيجيات بعض الأنظمة الحاكمة في مثل هذه الدول قد لا تتوافق مع المصلحة العامة لأوطانهم و شعوبهم.
كما إنه تجدر الإشارة إلى أن عدم وجود الصين في هذا المشروع لا يعني أن المملكة العربية السعودية قد تتخلى عن الصين كشريك اقتصادي من أجل الولايات المتحدة الأمريكية، بل أن المملكة العربية السعودية تحاول إيجاد نوع من التوازن بين الجانبين، و إن الشراكة في مثل هذا المشروع بين السعودية و الولايات المتحدة الأمريكية قد يلفت نظر الصين إلى ضرورة إيلاء الدول العربية و خصوصاً دول الخليج العربي أهمية أكبر فيما يتعلق بمبادرة الحزام و الطريق.
كما أن مرور طريق التجارة هذا من المملكة العربية السعودية كأول محطة بعد الطرق البحرية من الهند، يزيد بشكل كبير من الأهمية الاستراتيجية للموقع السعودي، نظراً لأن الوقائع الجغرافية ستجعل من المملكة المتحكم الأول في سيل الحركة التجارية منه و إليه، و بالتالي لا بضائع ستمر إلى المحطات التالية دون مرورها بالسعودية، و بالتالي ستكون المملكة هي صلة الوصل الحقيقة بين الهند و كافة المحطات الأخرى الشريكة في هذا المشروع.
و إضافة إلى ذلك، فإنه لا بد من أبعادٍ سياسية وراء إعلان عن مثل هذه المشروع سواء من الجانب السعودي أو غيره، و هذه الأبعادُ يُمكن اختصارها بالآتي:
أولاً: إقامة التوازن على المستوى التجاري العالمي، إذ يهدف هذا المشروع – من النظرة الأمريكية – الأميركي لربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط إلى مجابهة المشروع الصيني المعروف بالحزام و الطريق أو طريق الحرير الصيني الذي يمر عبر إيران وصولاً إلى أوروبا، أي إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإيجاد بديل عن طريق الحرير الصيني الذي تعتبر إيران شريكاً فيه عبر إقامة شراكة مع دول الخليج و إسرائيل.
ثانياً: إن الولايات المتحدة تحاول تقديم بعض الترضيات للمملكة العربية السعودية لتلافي توتر العلاقات الذي كان سائداً بين المملكة و الولايات المتحدة، إذ أن المنطقة العربية و خصوصاً السعودية تعد منطقة إستراتيجية مهمة بالنسبة للولايات المتحدة.
ثالثاً: إن الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى منذ عقود إلى ضمان أمن إسرائيل التي تعتبر الولاية الأميركية رقم ٥١، تجد في هذا المشروع فرصة ذهبية لتقريب المصالح بين المملكة العربية السعودية و إسرائيل بهدف إقامة علاقات اقتصادية قوية بينهما، و من المعروف أن الروابط الاقتصادية المتينة و الهامة بين اي بلدين تساهم بشكل كبير في تمنين الروابط و العلاقات الثنائية السياسية بينهما.
ختاماً، تؤكد لنا التحولات السياسية المتتالية في كافة بقاع العالم صدق القاعدة الأشهر في علم السياسة و التي تقول بأن "الثابت الوحيد هو المتغير"، فها هي أوضاع العلاقات السياسية و الدبلوماسية في المنطقة العربية تشهد بكافة مكوناتها تحولاتٍ جذرية لم يكن الناظر إلى حال المنطقة قبل عقدين من الزمن أن يصدق إمكانية حدوثها، فالدول العربية باتت تنوع علاقاتها الدبلوماسية شرقاً و غرباً من روسيا و الصين و الهند و الولايات المتحدة و حتى إسرائيل، أي بتعبير آخر، بدأت الدول العربية بالتخلص من وصمة كونها منطقة نفوذ خالصة للولايات المتحدة، و بدأت تتعامل مع الدول الكبرى بمبدأ المنفعة المتبادلة لدولة مقابل دولة، طبعاً مع مراعاة التفاوت في القوة الدبلوماسية و السياسية و العسكرية و الاقتصادية بين الدول.
لكن ما يهم أن المنطقة العربية و خصوصاً المملكة العربية السعودية بدأت تخطو خطواتٍ هامّة نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح و الغايات المتعلقة بالأمن القومي و المصالح السياسية و الاقتصادية بالإضافة إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التنويع و الاستقلالية في السياسات الخارجية بعيداً عن الضغوطات، و بالتالي فإن المتغيرات التي أدت بالدول العربية إلى تحقيق مثل هذا التقدم في المجال السياسي تشكل فرصة ذهبية لا بد من استغلالها من قبل العرب للمضي قدماً في تحقيق منافع و مصالح دولهم، فبوصلة القوة تتجه اليوم شيئاً فشيئاً نحو المنطقة العربية بسبب عوامل كثيرة أبرزها الموقع الاستراتيجي و السيطرة على احتياطات هائلة من الطاقة و النفط بالإضافة إلى القوة الاقتصادية و الدبلوماسية لهذه الدول، ما يعني أنه اذا تم إدارة المرحلة المقبلة بحكمة و ذكاء فإن الظروف المستقبلية سوف تتيح للدول العربية و خاصة الدولة العربية الأبرز و هي المملكة العربية السعودية بلعبِ دور هام على الصعيد الدولي و بالتالي حجزِ مقعد لها على طاولة النظام العالمي الجديد الذي يتبلور حالياً في ظل تراجع بعض القوى الدولية و تقدم بعضها الآخر..