التّراجُعُ الفَرنسيّ في إفريقيا.. أسبابُه و تداعياتُه.. وأبعادُ قرارِ روسيا بنقل الصّراع مَع الغرب إلى القارّة الأفريقية.. و كيفَ سيؤثر ذلك على مُجرياتِ السياسة الدوليّة؟

news image

 

إعداد - مروة شاهين - تقرير خاص بث:


بعد أن طغت أنباء الحرب الروسية الأوكرانية و تطوراتها على اهتمام الرأي العام العالمي و وسائل الإعلام كافة في العام المنصرم، أتت أحداث الانقلابات العسكرية في القارة الإفريقية لتنقل اهتمام العالم من منطقة أوروبا الشرقية إلى منطقة قلب أفريقيا، حيثُ يَظهرُ صراع العديد من القوى الإقليمية و الدولية التي قررت نقل المعارك و المواجهات على السلطة و النفوذ الجيوسياسي من شرق أوروبا إلى القارة الأفريقية.

و في الحديث عن التنافس على النفوذ العالمي،فقد دخلت روسيا منذ عقود بقوة إلى الساحة الإفريقية، و  الرغم من انشغالها بالحرب على حدودها الغربية مع أوكرانيا المدعومة من قبل دول خارجية كالولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها في الناتو،  فإن روسيا تحاول اليوم نقل اللعبة الجيوسياسية من شرق أوروبا إلى أفريقيا بهدف تخفيف الضغط عن حدودها الغربية و تشكيل ورقة ضغط جديدة على أوروبا و الغرب الذي يعتبر القارة الإفريقية منطقة إستراتيجية لا غنى عنها في العديد من المجالات لا سيما الموارد الطبيعية و الزراعية و الطاقة و المعادن و النفط. 
"إيكواس" و تدخلها العسكري في النيجر.. بالوِكالة عن الغرب:
إن منظمة إيكواس التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة هي مُنظمة سياسية واتحاد اقتصادي إقليمي يتكون من خمسة عشر دولة تقع في منطقة غرب أفريقيا.
تُغطي هذه البُلدان مُجتمعة مساحة 5,114,162 كيلومتر مربع (1,974,589 ميل2)، فيما تضُم ساكنة تُقدر بأكثر من 349 مليون نسمة حسب إحصائيات سنة 2015.


و قد أُسست المنظمة في 25 مايو 1975 بموجب اتفاقية لاغوس، ويقع مقرها في أبوجا عاصمة نيجيريا، تضُم المجموعة 15 دولة عُضو هي الرأس الأخضر وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو، وقد انضمت كُل هذه الدول إلى المجموعة في دورتها التأسيسية في مايو 1975، باستثناء الرأس الأخضر التي انضمت سنة 1976. كانت موريتانيا دولة عُضو في المجموعة إلى غاية سنة 2000، حين انسحبت من المجموعة، وقد أعلنت عن نيتها الخروج من المجموعة منذ ديسمبر 1999.
و تعمل الإيكواس أيضًا كقوة لحفظ السلام في المنطقة، حيث ترسل الدول الأعضاء أحيانًا قوات عسكرية مشتركة للتدخل في أوقات عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات في إحدى هذه الدول. 
و قد شملت هذه التدخلات في السنوات الأخيرة في ساحل العاج في عام 2003، وليبيريا في عام 2003، وغينيا بيساو في عام 2012، ومالي في عام 2013، وغامبيا في عام 2017.
و تضم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مُؤسسات مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومحكمة العدل الخاصة بالمجموعة، وبرلمان المجموعة، وبنك إيكواس للاستثمار والتنمية (EBID)، ومنظمة الصحة لغرب أفريقيا (WAHO)، ومجموعة العمل الحكومية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في غرب أفريقيا (GIABA). وتضُم المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا أيضا تكتلين اقتصاديين نقديين ضمنها هُما الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA)، والمنطقة النقدية لغرب أفريقيا (WAMZ).


أهمية أفريقيا لأطرافِ القِوى العالميّة.. النيجر كحالة خاصة لفرنسا و الغرب:


لقد احتلت أفريقيا دائمًا مكانة مهمة في التاريخ الفرنسي، ويرجع تاريخ هذه المكانة إلى الحقبة الاستعمارية. و من بين الدول الأفريقية العديدة التي شهدت تأثيرًا عميقًا للنفوذ الفرنسي هي النيجر حيثُ تقع النيجر في غرب أفريقيا، وقد كانت موضع اهتمام فرنسي بسبب موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي ومواردها الطبيعية وروابطها التاريخية.

السياق التاريخي:

أسس الفرنسيون وجودهم في النيجر لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر كجزء من توسعهم الاستعماري الأوسع في أفريقيا. تم دمج النيجر، التي كانت تعرف آنذاك بالسودان الفرنسي، في الإمبراطورية الفرنسية في غرب إفريقيا، والتي شملت مناطق أخرى مثل السنغال وغينيا وكوت ديفوار ومالي. جلبت الإدارة الاستعمارية الفرنسية تغييرات كبيرة إلى النيجر، حيث أدخلت التعليم الغربي، وتطوير البنية التحتية، وفرض اللغة والثقافة الفرنسية. ولا تزال هذه العناصر تشكل أساس المجتمع النيجيري اليوم.

الأهمية الجيوسياسية:

ولا يمكن تقويض الأهمية الجيوسياسية التي تتمتع بها النيجر. وتشترك في الحدود مع عدة دول في غرب أفريقيا، مما يجعلها بوابة حيوية للمصالح الفرنسية والاستقرار الإقليمي. 
الموقع المركزي للنيجر جعلها شريكا مهما للعمليات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل، حيث تشكل الحرب ضد الإرهاب والجماعات المتطرفة الاهتمام الرئيسي. يساعد الوجود العسكري الفرنسي في النيجر في الحفاظ على المصالح الفرنسية و الاستقرار النسبي والأمن ليس فقط في البلاد ولكن أيضًا في الدول المجاورة مثل مالي وبوركينا فاسو وتشاد.

الموارد الطبيعية:

تتميز النيجر بمجموعة غنية من الموارد الطبيعية، بما في ذلك اليورانيوم والنفط والذهب والمعادن. وقد شارك الفرنسيون، الذين أدركوا الإمكانات الاقتصادية لهذه الموارد، في استخراج هذه السلع واستكشافها. وبشكل خاص، جعلت احتياطيات النيجر من اليورانيوم مورداً قيماً لاحتياجات فرنسا من الطاقة. وقد استثمرت العديد من الشركات الفرنسية، مثل أريفا، بكثافة في قطاع التعدين في النيجر، مما ساهم في التنمية الاقتصادية للبلاد وتعزيز العلاقة الاقتصادية القوية بين البلدين.

المساعدة الإنمائية:

ولعبت الحكومة الفرنسية أيضًا دورًا حيويًا في تنمية النيجر من خلال تقديم المساعدات المالية والمساعدة الفنية. وكانت فرنسا واحدة من أكبر الجهات المانحة للنيجر، حيث دعمت قطاعات مختلفة مثل التعليم والرعاية الصحية والزراعة والبنية التحتية. وقد ساهمت هذه المساعدات بشكل كبير في زيادة النفوذ الفرنسي داخل البلاد و في تحسين الظروف المعيشية لسكان النيجر وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

العلاقات الثقافية:

وأخيرًا، يمكن ملاحظة التأثير الفرنسي في النيجر في مجالات اللغة والتعليم والتبادل الثقافي. حيثُ تظل اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للنيجر، نتيجة للتاريخ الاستعماري. و يعتمد نظام التعليم إلى حد كبير على النموذج الفرنسي، حيث ينتشر المعلمون والمناهج الدراسية الناطقة بالفرنسية في جميع أنحاء البلاد. بالإضافة إلى ذلك، أدت التبادلات الثقافية بين البلدين إلى تبني النيجريين جوانب من الثقافة الفرنسية مثل الموضة والمطبخ والموسيقى.
وفي الختام، فإن النفوذ والاهتمام الفرنسي في النيجر كان متعدد الأوجه ويعود إلى الحقبة الاستعمارية، لعبت الأهمية الجيوسياسية والموارد الطبيعية والمساعدة التنموية والعلاقات الثقافية دورًا حاسمًا في تشكيل العلاقة بين البلدين. ورغم أن الوجود الفرنسي كان له عواقب إيجابية وسلبية على النيجر، فلا يمكن إنكار أن العلاقة المستمرة لا تزال تؤثر على تنمية البلاد ومكانتها الدولية. ومع تحرك النيجر إلى الأمام، فإنه يشكل جزءاً من حوار أوسع حول إنهاء الاستعمار، والاستقلال الاقتصادي، والحفاظ على الثقافة في مواجهة النفوذ الأجنبي.

ماكرون و أزماته.. عهدُ الانتكاس الفرنسي:

تحدث تقرير في وكالة الصحافة الفرنسية عن نكسة جديدة مني بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما كان يطمح إلى تجديد العلاقات مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، في تتالٍ لنكسات في المنطقة الاستراتيجية بالنسبة لفرنسا، أثار المزيد من التساؤلات حول مصير الوجود العسكري الفرنسي فيها.
وكان الرئيس الفرنسي أكّد في كانون الأول/ديسمبر 2018 أن "باريس مستمرة بالانخراط في مكافحة المسلحين المتطرفين في منطقة الساحل حتى تحقيق الانتصار الكامل".
لكن، وبعد مرور خمس سنوات، خرجت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو بعد انقلابين فيهما، وجنوباً، أُجبر الجنود الفرنسيون على الانسحاب من أفريقيا الوسطى.
ويهدّد الانقلاب العسكري الذي شهده  النيجر، آخر نقطة ارتكاز للقوات الفرنسية، بإضعاف سياسة ماكرون بشكل أكبر.
ويقول مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية باسكال بونيفاس، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية ، إنّ "التاريخ يعيد نفسه والمآسي تتراكم"، مضيفاً أنه "إذا أحكم الانقلابيون قبضتهم على السلطة في نيامي، سيكون في غاية الصعوبة إبقاء جنودنا البالغ عددهم 1500 عنصر، هناك".
ويتابع بأنّ "السؤال نفسه يمكن أن يطرح في تشاد، حيث تنشر فرنسا نحو ألف من جنودها"، فيما أكّدت هيئة الأركان الفرنسية أنّ "الانسحاب من النيجر ليس على جدول الأعمال".
وإلى الآن، لم تُجْرِ المجموعة العسكرية النيجرية إعادة نظر في الاتفاقات الدفاعية المبرمة مع فرنسا، على عكس ما فعله الجنرالات الماليون والبوركينيون.
واعتبر الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية فرنسوا غولم، أنه "كان من الخطأ المراهنة على النيجر وتشاد، وهما بلدان ضعيفان سياسياً، لدى إعادة انتشار القوات الفرنسية".
كذلك اعتبر أنّه لا مفر من خروج العسكريين الفرنسيين من النيجر، في حال بقي قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني في موقعه.

فرنسا تُحاوِل مواجهة رياح الانقلابات و تثبيت أقدامها في أفريقيا:

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال كلمة أمام السفراء الفرنسيين المجتمعين في باريس إن السفير الفرنسي لدى النيجر سيظل هناك، رغم الضغوط من قادة الانقلاب الذي شهدته البلاد في الآونة الأخيرة.
وجدد ماكرون القول أيضا إنه سيواصل دعم رئيس النيجر المطاح به محمد بازوم، الذي وصف ماكرون قراره بعدم الاستقالة بأنه "قرار شجاع".
وأضاف أن سياسة بلاده في النيجر "واضحة ونستمدها من شجاعة الرئيس بازوم ومبادئنا ومصالحنا العسكرية"، مؤكدا أنه إذا تخلت دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) عن بازوم فإن رؤساء المجموعة سيكونون معرضين للخطر.
وأشار إلى أنه سمع من واشنطن وعواصم أوروبية أصواتا تدعو لعدم المبالغة في التعامل مع الوضع بالنيجر.
وبشأن مستقبل بلاده في أفريقيا، قال ماكرون إن الوجود الفرنسي في القارة السمراء لا يتعلق فقط بالتهديد الإرهابي، وإن على باريس البحث عن شركاء جدد في أفريقيا.
وأكد أيضا أنه لو لم تتدخل فرنسا عسكريا في أفريقيا لما كانت النيجر ومالي وبوركينا فاسو موجودة اليوم بحدودها المعروفة.
وقد أكد الاتحاد الأوروبي دعمه الكامل لسفير فرنسا في النيجر، واعتبر أن قرار طرده هو استفزاز جديد.
وبدوره، قال الناطق باسم رئيس نيجيريا، الرئيس الدوري للإيكواس، إن التدخل العسكري في النيجر هو الخيار الأخير وليس الخطوة المقبلة، وإن العقوبات على المجلس العسكري بالنيجر أحدثت اختراقات على طاولة المفاوضات.

 

أصابعٌ روسية واضحة.. و الغرب يُقاوم من أجل البقاء في القارة السمراء:


وتأتي تصريحات ماكرون بعيد انتهاء المهلة النهائية التي منحها قادة الانقلاب في النيجر للسفير الفرنسي سليفان إيت من أجل مغادرة البلاد.
وقد شهد محيط القاعدة العسكرية الفرنسية في العاصمة نيامي مظاهرة مساندة للمجلس العسكري ورافضة لبقاء سفير باريس في البلاد.
ورفع المحتشدون أعلام النيجر وروسيا، ورددوا شعارات تندد بمواقف فرنسا، واتهموها بزعزعة أمن البلاد، كما حمل آخرون لافتات تطالب برحيل القوات الفرنسية، حيث لا يزال 1500 جندي فرنسي يتمركزون في النيجر.
وقبل ساعات من انتهاء المهلة التي حددها المجلس العسكري في النيجر لمغادرة إيت، قال عضو المجلس العقيد بشير أمادو إن شعب النيجر سيجبر هذا السفير على المغادرة، ودعا إلى مواصلة "التعبئة والنضال" حتى مغادرة آخر جندي فرنسي.
وقال مخاطبا الجموع "لقد قلنا له غادر بلدنا، اذهب واترك النيجر، لكن أنتم من ستجبرونه على المغادرة، لا تذهبوا إلى السفارة، فقط، إذا استمرت التعبئة، فسنجعلهم يغادرون".
وأضاف "النضال لن يتوقف حتى اليوم الذي لن يكون فيه هناك أي جندي فرنسي في النيجر".
وكان المجلس العسكري في النيجر أمهل  السفير الفرنسي سيلفان إيت 48 ساعة لمغادرة البلاد بسبب رفضه الاستجابة لدعوة الخارجية النيجرية إلى "إجراء مقابلة"، وما وصفه بتصرفات أخرى من حكومة باريس تتعارض مع مصالح نيامي.

أسبابُ التراجع الفرنسي في أفريقيا.. رِحلةُ ضياع النفوذ:

إن تصور فقدان فرنسا لنفوذها في أفريقيا هو قضية معقدة لها عدة عوامل مساهمة، ففي حين أنه من الضروري أن ندرك أن هذا الموضوع قد يتطور مع مرور الوقت، فهذه بعض الأسباب التي جعلت نفوذ فرنسا في أفريقيا يواجه تحديات خطيرة :

 

1. إرث ما بعد الاستعمار: ترك تاريخ فرنسا الاستعماري في أفريقيا إرثًا من المشاعر المختلطة في العديد من البلدان الأفريقية. ويرى البعض النفوذ الفرنسي بمثابة تذكير بالاستعمار ويسعى إلى مزيد من الاستقلال عنه.
2. الديناميكيات العالمية المتغيرة: المشهد الجيوسياسي العالمي يتطور، مع قيام القوى الناشئة مثل الصين وروسيا بتوسيع نفوذها في أفريقيا. وقد دفع هذا بعض الدول الأفريقية إلى تنويع شراكاتها الدولية، وتقليل اعتمادها على القوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا.
3. الروابط الاقتصادية: تلعب المصالح الاقتصادية دوراً هاماً. حافظت فرنسا تقليديا على علاقات اقتصادية وثيقة مع مستعمراتها الأفريقية السابقة، وخاصة من خلال منطقة عملة الفرنك الأفريقي. ومع ذلك، سعت بعض البلدان الأفريقية إلى إقامة علاقات اقتصادية مع نطاق أوسع من الشركاء.
4. المخاوف الأمنية: شاركت فرنسا في تدخلات عسكرية مختلفة في الدول الإفريقية بهدف تقوية نفوذها الاقتصادي و السياسي و العسكري، و بحجج كثيرة منها مكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار، و هذه التدخلات العسكرية يمكن في أغلب الأحوال أن تؤدي أيضًا إلى استياء محلي وتوترات سياسية.
5. التحالفات المتغيرة: تقوم الدول الأفريقية بشكل متزايد بتشكيل تحالفات وشراكات على أساس مصالحها وليس الروابط التاريخية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى إعادة توازن القوة والنفوذ في القارة.
6. الدبلوماسية المتعددة الأطراف: غالبًا ما تنخرط الدول الأفريقية في دبلوماسية متعددة الأطراف من خلال منظمات مثل الاتحاد الأفريقي. وهذا يسمح لهم بتأكيد مصالحهم بشكل جماعي وربما يقلل من تأثير الجهات الفاعلة الخارجية الفردية.
7. القوة الناعمة: لا تزال علاقات فرنسا الثقافية واللغوية مع بعض الدول الإفريقية قوية، مما يساهم في تعزيز قوتها الناعمة. ومع ذلك، فإن هذا وحده قد لا يكون كافيا للحفاظ على النفوذ السياسي.
ومن الجدير بالذكر أن فرنسا لا تزال تتمتع بحضور ونفوذ كبيرين في أجزاء من أفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل. إن ديناميات النفوذ في أفريقيا متعددة الأوجه، ويمكن أن تختلف من بلد أو منطقة إلى أخرى. و يخضع دور فرنسا في أفريقيا للتغيير والتكيف المستمر استجابة للظروف المتطورة والمنافسة العالمية على النفوذ في القارة.


الإهتماماتُ الجيوبووليتيكية لروسيا تمتدُ نحو أفريقيا:


إن اهتمام روسيا بالتنافس مع فرنسا في أفريقيا يشكل جزءاً من استراتيجيتها الجيوسياسية الأوسع، ففي حين أن كلا البلدين كان لهما تاريخياً مستويات مختلفة من النفوذ في أفريقيا، فإن جهود روسيا الأخيرة لزيادة وجودها ونفوذها في القارة يمكن أن تعزى إلى عدة عوامل:

1. المصالح الاقتصادية: أفريقيا غنية بالموارد الطبيعية، وتشهد العديد من الدول الأفريقية نمواً اقتصادياً. وترى روسيا، مثل العديد من الدول الأخرى، أن هناك فرصاً اقتصادية في أفريقيا وتسعى إلى إقامة شراكات اقتصادية واتفاقيات تجارية وفرص استثمارية.
2. المنافسة العالمية: يمكن رؤية انخراط روسيا المتزايد في أفريقيا في سياق المنافسة العالمية على النفوذ والموارد. وتهدف روسيا إلى توسيع وجودها في المناطق التي كان لها فيها وجود أقل تاريخيا، وذلك جزئيا لموازنة نفوذ القوى الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة.
3. التحالفات السياسية والعسكرية: تسعى روسيا إلى بناء تحالفات سياسية وعسكرية في أفريقيا. وقد شاركت في مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري وبرامج التدريب مع العديد من الدول الأفريقية. وهذا يمكن أن يخدم الأغراض الاقتصادية والاستراتيجية.
4. القوة الناعمة: تستخدم روسيا أيضًا القوة الناعمة من خلال التبادلات الثقافية والبرامج التعليمية والجهود الدبلوماسية لتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية. وهذا يمكن أن يساعد في تشكيل صورة إيجابية لروسيا وتنمية العلاقات الدبلوماسية.
5. تنويع الشراكات: تتطلع البلدان الأفريقية بشكل متزايد إلى تنويع شراكاتها الدولية. وقد يكونون مهتمين بالتعامل مع روسيا كبديل للشركاء الغربيين، وهو ما يمكن أن يوفر لهم مرونة دبلوماسية أكبر.
6. الاعتبارات الجيوسياسية: تشمل المصالح الاستراتيجية العالمية لروسيا الوصول إلى موانئ المياه الدافئة والنفوذ السياسي الدولي. إن إنشاء وجود في أفريقيا يمكن أن يعزز هذه الأهداف الاستراتيجية.
7. تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية :إذ تسعى روسيا من خلال التدافع مع القوى الغربية في أفريقيا إلى تشكيل ورقة ضغط لتخفيف الضغط على روسيا في أوروبا الشرقية، كما أن روسيا تحاول أن تنقل منطقة النزاع من حدودها الغربية مع أوكرانيا إلى مناطق إستراتيجية أوسع و أشمل عبر أفريقيا. 
من المهم أن نلاحظ أن المنافسة على النفوذ في أفريقيا تشمل دولًا متعددة ولا تقتصر على روسيا وفرنسا، إذ تنشط الصين والولايات المتحدة والهند ودول أخرى أيضًا في تحقيق مصالحها في القارة. وقد تختلف الاستراتيجيات والأهداف المحددة لهذه البلدان في أفريقيا، ولكنها جميعا جزء من مشهد جيوسياسي معقد في القارة.

تأثيرُ تدخل إيكواس في النيجر على الأمن و الاستقرار الدولي:

قد يكون للتدخل العسكري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في النيجر العديد من التأثيرات المحتملة على الأمن الدولي:
1. الاستقرار الإقليمي: يهدف تدخل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى معالجة التهديدات الأمنية داخل المنطقة، و الناتجة عن محاولة روسيا تغيير الوضع الراهن في القارة الأفريقية، لذلك فإن هذا التدافع يمكن أن يؤدي إلى إشعال حروب في الدول الإفريقية،  ومن خلال قيام ايكواس بالتدخل ، يمكنها أن تساهم في تحقيق الاستقرار ليس في النيجر فحسب، بل وأيضاً في البلدان المجاورة، حيثُ إن وجود منطقة أكثر استقرارا في غرب أفريقيا مفيد بشكل عام للأمن الدولي.
2. مكافحة التطرف و الجماعات اليمينية: إذا كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تتدخل لمواجهة الجماعات المتطرفة أو العنصرية أو الإرهابية في النيجر، فقد يكون لذلك آثار أوسع على الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. ومن الممكن أن يساعد الحد من نفوذ هذه الجماعات وقدراتها في منعها من نشر أنشطتها عبر الحدود.
3. المخاوف الإنسانية: يمكن أن يكون للتدخلات العسكرية عواقب إنسانية. وسيتعين على الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إدارة النزوح المحتمل للمدنيين وتلبية الاحتياجات الإنسانية. وقد يشارك المجتمع الدولي في تقديم العون والمساعدة استجابة لهذه القضايا.
4. أزمة اللاجئين: قد يؤدي عدم الاستقرار في النيجر إلى تدفق اللاجئين إلى البلدان المجاورة أو إلى أبعد من ذلك. وهذا يمكن أن يجهد الموارد الدولية ويحتمل أن يؤدي إلى تحديات أمنية تتعلق باللاجئين في مناطق أخرى.
5. العلاقات الدبلوماسية: قد يؤثر تدخل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على العلاقات الدبلوماسية بين الدول المعنية والجهات الفاعلة الدولية الأخرى. قد يكون لدى المجتمع الدولي درجات متفاوتة من الدعم أو القلق فيما يتعلق بالتدخل، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على العلاقات الدولية.
تخصيص الموارد: قد تقوم الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المشاركة في التدخل بتحويل الموارد، بما في ذلك الأصول العسكرية والمالية، من الالتزامات الدولية الأخرى. وقد يؤثر ذلك على مساهماتهم في جهود الأمن العالمي.
من المهم أن نلاحظ أن التأثير المحدد على الأمن الدولي سيعتمد على طبيعة التدخل ونجاحه والسياق الجيوسياسي الأوسع. و أيضاً على سلوك كل طرف من أطراف الصراع في أفريقيا سواء فرنسا و الغرب أو روسيا و الصين او حتى الجيوش و الجماعات المسلحة المحلية، حيثُ يمكن لسياسات التهور أو ضبط النفس أن تساعد في رسم المستقبل السياسي للقارة الإفريقية و العالم بأسره، لا سيما لجهة الأهمية التي تشكلها أفريقيا اليوم في ظل الصراع على الطاقة و الموارد بين الدول الإقليمية و الكبرى.