أرامكو السعودية.. قصة وطن ومسيرة خير
بدأت مسيرة قصة شركة الزيت العربية " أرامكو السعودية " بعبارة خلدها التاريخ حين وجه بها جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيّب الله ثراه، لوزير المالية الشيخ عبدالله السليمان الحمدان لتوقيع اتفاقية الامتياز مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال) في 29 مايو 1933م؛ قال فيها "توكل على الله ووقّع"، من هنا بدأت السيرة والمسيرة وقصة تنمية حفرت عميقًا في الأرض والصخر، وكتبت أحد أبرز ملاحم النمو والازدهار الوطني.
في تلك الاتفاقية التاريخية وضع الملك عبدالعزيز شرطًا كان له عظيم الأثر في تطوير المملكة خلال السنوات التالية، فقد نصت المادة 23 من الاتفاقية على ما يلي: "يتولى الجانب الأمريكي إدارة المشروع موضوع العقد والإشراف عليه مع مراعاة توظيف المواطنين السعوديين إن أمكن، ولا يجوز للشركة توظيف غير المواطنين السعوديين إلا في حال عدم توافر الموظفين الأكفاء من السعوديين"، وكان لتلك المادة دورها البارز في إعداد الأرضية المناسبة للتحول الكبير الذي شهده المجتمع السعودي منذ ذلك الوقت.
وبالنسبة لاكتشاف النفط؛ فقد كانت منطقة الامتياز عند توقيع الاتفاقية تغطي مساحة 829,000 كيلو مترًا مربعًا، تبدأ من حدود العراق شمالًا، إلى صحراء الدهناء غربًا، وإلى صحراء الربع الخالي جنوبًا. وأنشأت "سوكال" آنذاك شركة تابعة لها هي شركة كاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك) لتتولى تنفيذ هذه الاتفاقية.
وكان السعوديون حاضرين في مشهد النفط منذ بدايته، برفقة الجيولوجيين الأوائل ويبرز من بينهم الدليل البدوي الأسطوري خميس بن رمثان، يرحمه الله، الذي أدهشهم بأساليبه في الاهتداء إلى الطريق والحياة في الصحراء، وقد ظل يعمل في أرامكو حتى وفاته عام 1959م، وتكريمًا له أطلقت الشركة اسمه على حقل (رمثان) عرفانًا بجميله بعد اكتشافه على مسافة 95 كيلو مترًا شرقي القيصومة عام 1974م.
وأدّى اكتشاف النفط في بئر الدمام رقم 7 (بئر الخير) في عام 1938م إلى تحوّلٍ هائلٍ في المملكة وثراء ورفاهية مواطنيها، ويُعزى هذا الاكتشاف إلى روح المثابرة التي تميّز بها الجيولوجي ماكس ستاينكي ودليلُه خميس بن رمثان، فبينما كاد اليأس أن يدبّ في روح مُديريه، استقبل مقر شركته في سان فرانسيسكو في 4 مارس 1938م برقية أبلغ فيها رؤساءه في "سوكال" أن بئر الدمام رقم 7 أنتجت زيتًا بمعدل 1,585 برميلًا في اليوم في المنطقة العربية من المنطقة الجيرية المسامية.
وفي الأول من مايو 1939م استقبل العالم باكورة النفط السعودي، حيث شهد الملك عبدالعزيز الاحتفال بهذا الإنجاز، وأدار صمام تعبئة أول ناقلة بالنفط من ميناء رأس تنورة، ويُعدّ هذا اليوم بمثابة يوم تاريخي وعلامة فارقة، ربط المملكة بالعالم الصناعي وفتح الباب على مصراعيه لفرص ازدهار البلاد ومواطنيها.
بدأ بعدها ميلاد أرامكو التي لم تكن اليوم لتصبح عملاق النفط عالميًا أقل تحديًا من رحلة الميلاد والوجود المحفوفة بروح المغامرة، فبينما كانت الفرص تلوح في الأفق إبان الأربعينيات، وكانت النجاحات آخذة في التراكم، حوّلت شركة "كاسوك" اسمها إلى شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو). وفي عام 1943م، قامت أرامكو ببناء مصفاة في رأس تنورة أكبر من تلك التي بنتها "كاسوك"، ودخلت أرامكو حقبة الخمسينيات بتطوير بنياتها التحتية، وأنجزت خط الأنابيب عبر البلاد العربية (تابلاين) بطول 1,200 كيلو مترًا، وهي الشبكة التي ربطت حقول النفط شرقي المملكة، بلبنان والبحر الأبيض المتوسط.
ومن ثم توالت الاكتشافات النفطية حيث تم اكتشاف حقل السفانية في عام 1951م كأكبر حقلٍ بالمنطقة المغمورة، وأحدث تحولًا في مسار اكتشافات النفط في أرامكو، وفي العام نفسه تأكدت الشركة من خلال أعمال الاكتشافات المتوالية من ضخامة حقل السفانية وصنوه حقل الغوار الذي يُعد أكبر حقل للنفط في اليابسة.
وفي عام 1973م تملّكت المملكة حصة مشاركة بنسبة 25% في أرامكو، وفي عام 1975م قامت أرامكو السعودية بتصميم وتطوير وتشغيل شبكة الغاز الرئيسة التي وُصفت بأنها إحدى أكثر مشاريع الطاقة طموحًا على مرّ التاريخ ليجمع الغاز من حقول الشركة المنتجة لتلبية احتياجات المملكة من الوقود واللقيم.
وتُعد فترة الثمانينيات حقبةً ذهبية بالنسبة لأرامكو السعودية حيث امتلكت حكومة المملكة في عام 1980م الشركة بالكامل، أُنجز بعدها خط الأنابيب شرق-غرب لنقل سوائل الغاز الطبيعي لربط المنطقة الشرقية بينبع على ساحل البحر الأحمر، وفي عام 1984م حدث تحول آخر كبير إذ تمّ تعيين المهندس علي النعيمي كأول رئيس سعودي للشركة، حتى صدر عام 1988م مرسوم ملكي بتأسيس شركة الزيت العربية السعودية، أو أرامكو السعودية، وفي العام التالي أعلنت الشركة أول اكتشاف لزيت وغاز عالي الجودة جنوب الرياض، خارج منطقة أعمالها الأصلية.
ركزت الشركة وقت ذاك على تأسيس كل ما يمكن أن تستند عليه في مستقبلها وتوسعها للوصول للريادة عالميًا، فمن الناحية التجارية، أنجزت الشركة في العام 1995م بناء 15 ناقلة ضخمة للزيت الخام، وفي عام 1998م بدأ الإنتاج من حقل الشيبة الواقع في صحراء الربع الخالي، الذي يُعد أضخم المشاريع من نوعه في أيّ مكان في العالم.
ولطالما شكّلت بداية الألفية الجديدة علامة فارقة في العالم، لكن بالنسبة لأرامكو السعودية فقد دخلت لهذه الحقبة وقد أنجزت لبنات النهضة التي تحظى بها اليوم، وحققت نجاحات دلّت على إيمانها بأن مستقبل الطاقة يتطلب الاستثمار في مواكبة وتطوير، بل واختراع التقنيات التي تضمن تمتع الأجيال القادمة بالمزايا الاقتصادية التي تجلبها إمدادات الطاقة والمحافظة على البيئة الطبيعية وحمايتها.
وبينما كانت فرص التقنيات والرقمنة تلوح في الأفق وتغير ملامح كل شيء، عززت أرامكو السعودية ريادتها وسعيها لتطوير حلول رائدة تساعدها على التصدي للتحديات التي يواجهها قطاع النفط والغاز ومستهلكي الطاقة في كل مكان حول العالم، كما ركزت على الاستفادة من حجم الطاقة الفريدة التي تملكها، والتقنيات المتطورة التي تبنّتها لإدارة أكبر عملية تحول سلس وشامل للطاقة يسعى لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة والمواد الكيميائية، وفي الوقت نفسه يسهم في خفض الانبعاثات.
ففي العام الأول من بداية الألفية، أزاحت أرامكو السعودية الستار عن هدفها الإستراتيجي الطموح لعام 2020م الذي يحدّد توجهاتها خلال العقدين القادمين، لأن تصبح شركة متكاملة ورائدة في قطاعي الطاقة والكيميائيات، تركّز في ذلك على تعظيم الإيرادات وتسهيل التوسّع المستدام والمتنوّع في اقتصاد المملكة، وتمكين قطاع طاقة سعودي حيوي وقادر على المنافسة عالميًا.
فقد أحرزت الشركة تقدمًا ملحوظًا بتطوير حقلين رئيسين في المنطقة المغمورة، هما: منيفة الذي يُعد خامس أكبر حقل للنفط في العالم، وحقل كران الذي يُعد أول حقل للغاز غير المصاحب في المنطقة المغمورة.
وقد احتفل حقل منيفة الذي أُطلقت مرحلته الأولى لإنتاج النفط العربي الثقيل في أكتوبر 2012م، بمناسبة بلوغ معدل الإنتاج 500 ألف برميل من النفط في اليوم. وبحلول عام 2017م تحقق الهدف النهائي للمشروع بإنتاج 900 ألف برميل في اليوم، وحققت الشركة أيضًا تقدمًا في معمل غاز واسط، الذي يُتوقع أن يصبح واحدًا من أكبر المعامل المتكاملة التي بنتها أرامكو السعودية.
وفي نوفمبر 2021م أعلنت أرامكو السعودية عن بدء أعمال المرحلة الأولى لتطوير حقل الغاز الضخم وغير التقليدي في الجافورة، أكبر حقل غاز غير مصاحب في المملكة.
كما يُمثل قطاع الكيميائيات فرصًا كبيرةً لتحقيق النمو المستقبلي، وإيجاد قيمة على المدى البعيد، ومنذ بدء العمل في هذا القطاع في عام 1998م، كانت الشركة ترنو إلى تحقيق أقصى قيمة ممكنة من كل مكوِّن من مكونات المواد الهيدروكربونية، وقد نجحت في إيجاد مجموعة متنوعة من مصادر الأرباح غير النفطية.
وفي حدثٍ جذب انتباه العالم، طُرحت الشركة في ديسمبر 2019م أسهمها للاكتتاب العام من خلال إدراجها في السوق المالية السعودية (تداول)، ودلّت الاستجابة للطرح العام الذي حقق أعلى اكتتاب شهده تاريخ البورصات العالمية على المكانة الرفيعة التي عملت الشركة على تحقيقها خلال تسعة عقود من الأعمال الناجحة، ومنذ إدراجها في السـوق الماليـة السـعودية (تـداول) استمرت أرامكو السعودية في تحقيق الأرباح لمساهميها.
وسُمح في عام 2020م اكمال استحواذ أرامكو السعودية على 70% من شركة "سابك" بالتوسّع في مجال تحويل النفط إلى قيمة، وحقق دفعة قوية في مجال التكرير والبتروكيميائيات المتكاملة. وتسعى الشركة اليوم لتلبية الطلب المتزايد على المواد الكيميائية من خلال جهودها المتواصلة لتحويل ما يصل إلى 4 ملايين برميل يوميًا من السوائل إلى مواد كيميائية بحلول عام 2030.
وتستفيد أرامكو السعودية من الريادة والابتكارات التقنية لتوسيع حلول استخلاص الكربون وتخزينه وإنتاج الهيدروجين، وتضم إحدى أكبر مراكز استخلاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، وتهدف إلى استخلاص ما يصل إلى 11 مليون طنٍ متريٍ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول عام 2035م.
وتعتزم الشركة أن تكون لاعبًا رائدًا في الأسواق الجديدة لحلول تخزين الكربون والهيدروجين، ولدعم هذا التوجه، تستهدف إنتاج ما يصل إلى 11 مليون طن متري سنويًا من الأمونيا الزرقاء بحلول عام 2030 مع محاولة تقليل الانبعاثات وأملًا في الوصول لطموحها في تحقيق الحياد الصفري للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تقع ضمن النطاقين (1 و2) في مرافق أعمالها التي تملكها وتديرها بالكامل بحلول عام 2050.
وتشرفت أرامكو السعودية بزيارات لملوك المملكة ففي ربيع عام 1939م، قام جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، طيّب الله ثراه، بأول زيارة إلى مرافق "كاسوك" للاحتفال بتحميل أول ناقلة بالنفط السعودي. وفي عام 1947م، زار جلالته ميناء رأس تنورة وكذلك المجمعات السكنية وأعمال الزيت بالظهران، وكان يرافقه العيدد من الأمراء والوجهاء.
وافتتح جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز، يرحمه الله، في عام 1954م، أول مدرسة بنتها أرامكو، وزار جلالته عمليات الظهران التابعة للشركة في يناير 1954م.
وفي مارس 1963م، أنهى جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز، -يرحمه الله-، عندما كان وليًا للعهد، مفاوضاته مع أرامكو لزيادة نسبة عوائد الحكومة من خط التابلاين وتقليل مساحة منطقة الامتياز.
فيما قص جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز، -يرحمه الله-، في 29 أكتوبر 1977م، الشريط مفتتحًا مركز سوائل الغاز الطبيعي في البرّي، كأول معامل شبكة الغاز الرئيسة يتم افتتاحه.
وشرّف الملك فهد بن عبدالعزيز، -يرحمه الله-، في 16 مايو 1983م، احتفال أرامكو السعودية في مركز التنقيب وهندسة البترول (إكسبك) في الظهران، وفي ديسمبر من عام 1986م، زار الملك فهد رأس تنورة، وافتتح مركز التدريب التابع للشركة.
وزار الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، في أبريل 1999م، عندما كان وليًا للعهد، البئر رقم 7 أثناء جولته على منشآت أرامكو السعودية وأطلق عليها اسم "بئر الخير". كما افتتح مصفاة رأس تنورة ومشروع تحديث خط أنابيب يربط معظم المعامل في الظهران والقصيم والرياض والأحساء، وافتتح كذلك حقل الشيبة.
وفي عام 2002م، دشّن الملك عبدالله، ولي العهد آنذاك، معمل الحوية، كما دشّن في عام 2004م مشروع تطوير الغاز الطبيعي والزيت في حرض.
وشرّف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله-، في نوفمبر 2016م، الحفل الذي نظمته أرامكو السعودية لإطلاق عدد من المشاريع النفطية العملاقة، وتدشين مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) بالظهران.
كما دشّن رعاه الله، في 22 نوفمبر 2018م، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، المرحلة الأولى من منظومة مشاريع مدينة وعد الشمال الصناعية، في محافظة طريف.
وتمثّل مدينة وعد الشمال مُنعطفًا تاريخيًا لأرامكو السعودية، وعلامة فارقة في إستراتيجيتها حيث شغّلت أول معمل لإنتاج الغاز غير التقليدي في نوفمبر 2017م، بطاقة تُقدّر بنحو 79 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا، من عشر آبار غير تقليدية بالقرب من مدينة طريف في شمال المملكة، ليُنقل الغاز بشكل أساس إلى محطة الشركة السعودية للكهرباء البالغ قدرتها واحد غيغا واط في مدينة وعد الشمال. إلى جانب ذلك، شرعت أرامكو السعودية في تنفيذ المرحلة الثانية من خطتها التي تهدف إلى رفع الإنتاج من الغاز غير التقليدي إلى أكثر من 190 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا، من خلال أربعة مرافق إضافية للإنتاج.