التفريغ المستمرّ للغازات في البحر

 

ترجمة: د. رفيف رضا صيداوي*

المصدر: دوريّة "كورييه أنترناسيونال" الفرنسيّة، العدد 1639 (31 مارس/ آذار إلى 6 نيسان/ أبريل 2022).

النقل البحري: آلاف السفن تُفرغ مياهها الزيتيّة الآسنة في عرض البحر: نحو 200000 م3 هي كميّة الغازات المتسرّبة سنويّاً من دون أن تكون قد خضعت للتصفية أو الفلْتَرَة بحسب تحقيقٍ دوليّ.

_______
المهندس البحري الذي روى لإذاعة صوت ألمانيا أو "دويتشه فيله" Deutsche Welle كيف تُفرغ سفينة الشحن التي يُبحر فيها غازاتها "مباشرةً في البحر"، في حين أنّه كان في المدرسة البحريّة قد تعلَّم أنّ هذا الأمر "غير شرعي"، هذا المهندس نفسه طالبَ "بأن تبقى هويّته طيّ الكتمان، وكذلك اسم الصهريج"."في البداية أثقل الأمر عليّ"، يقول شارحاً. ومن ثمّ، وبما أنّ هذه المُمارسة اللّيليّة شائعة عموماً، "استسلمتُ للأمر الواقع وقبلتُ به، حتّى ولو أنّه مُحزِنٌ للغاية".

مياه الفضلات، التي تحتوي على مخلّفات البترول، وإفراغها في البحر، أمر ممنوع منعاً باتاً، بحسب الوسيلة الإعلاميّة الألمانيّة الرسميّة. غير أنّ "العديد من سُفن الشحن والحاويات تتحايل على هذا الحظر لكسب الوقت والمال، في ظلّ النتائج الكارثيّة على البيئة"، وذلك بحسب تحقيقٍ أُجري مع المنظّمة الاستقصائيّة "لايت هاوس ريبورت" Lighthouse Reports وثماني وسائل إعلاميّة أوروبيّة شريكة؛ وهو عمل دامَ أشهراً عدّة.

تستأنف إذاعة "دويتشه فيله" كلامها بالقول إنّ "تحليل صور الأقمار الاصطناعيّة يُثبت أنّ التفريغ غير الشرعي للسفن التجاريّة هو عملة دارجة في العالَم بأسره". قلّة قليلة من هذه السفن تخضع لإجراءاتٍ قانونيّة.

أطنان من السوائل السامّة يوميّاً

ولفَهْمِ ضخامة الموضوع وفداحته، ينبغي التذكير بأنّ نحو 90 في المائة من البضائع في العالَم تمرّ عبر البحر. "أكثر من 55000 سفينة شحن وحاوية تنقل الفيول والحبوب والهواتف الذكيّة أو الملابس إلى بحور العالَم". هؤلاء العمالقة يُنتجون مزيجاً ملوِّثاً من الماء وزيت المحرّكات والهيدروكربونات: "مياه الحاويات التي تتجمّع في خزّانٍ داخل الجزء السفلي من السفينة". "من شأن سفينة واحدة أن تُنتج أطناناً عدّة من هذا السائل السامّ في اليوم".

نظريّاً، يُفترَض أن تُعالَج المياه الآسنة بواسطة فاصلٍ أو عازلٍ من الهيدروكربونات، بحيث لا يعود كلّ ليترٍ من تلك المياه المفرَّغة في البحر يحتوي "إلّا على كميّة قليلة جدّاً من البترول العالِق فيها". حمأة الهيدروكربونات تُخزَّن إلى حين الوصول إلى المرفأ؛ في حين أنّه من المُفترض أن يوثِّق سجلُّ الزيوت أو الهيدروكاربونات الكمّياتِ المُعالَجة.

نتائج دراماتيكيّة

"في المُمارَسة، يلتفّ عددٌ كبيرٌ من السفن على مسألة المُعالَجة هذه ويُفرِّغ المياهَ الآسنة في البحر من دون تصْفيتِها أو فلْتَرَتِها". "مخالفاتٌ خمس" تشهد على هذا التفريغ غير الشرعي للغازات من سُفنٍ وحاوياتٍ مُختلفة. "بفضل مضخّة صغيرة محمولة، تُحوَّل المياه الآسنة إلى خزّان آخر. الأمر بسيط جدّاً. بالإمكان تجميع هذه المضخّة خلال دقائق خمس، ثمّ تفكيكها وتخْبئتها بدقائق خمس"، يشرح أحدهم.

لتفريغ المياه الآسنة غير المُصفّاة أو غير المُفلْتَرَة "نتائج دراماتيكيّة في ما يخصّ النظام البيئي". بقايا البترول تُلحِق الضرر بكلّ السلسلة الغذائيّة، من الأصداف إلى الأسماك التي تتغذّى منها، وصولاً إلى الإنسان... الرصاص والكادميوم هُما أيضاً ضارّان بالبيئة.

الآثار التي تخلّفها السفن "يبلغ طولها في الغالب كيلومتراتٍ عدّة". بفضل منظّمة "سكاي تراث" SkyTruth غير الحكوميّة، المتخصّصة بصور الأقمار الاصطناعيّة، تمّ تسجيل 1500 تفريغٍ غير شرعي بين شهرَي تمّوز/ يوليو 2020 وكانون الأوّل/ ديسمبر 2022.

"كميّة المياه التي تحتوي على بترول والتي تصبّ في المُحيطات من شأنها أن تتخطّى 200000 م3 في السنة"، أي "خمس مرّات أكثر" من الكارثة النفطيّة التي حلّت في العام 1989 بإكسون فالديز Exxon Valdez على طول الشريط الساحلي لألاسكا.

وبما أنّ "الأقمار الاصطناعيّة لا تغطّي إلّا جزءاً من المُحيطات، فإنّ العدد الفعلي للتلوّثات المُحتملة هو على الأرجح أكثر ارتفاعاً".

*مؤسّسة الفكر العربي