" مدفع الإفطار.. إضرب" - قصص من القاهرة

القاهرة - هالة عرفة - بث:
"مدفع الإفطار... اضرب". جملة اعتاد المصريون على سماعها مع أذان المغرب في رمضان.
صوت مدفع الإفطار بات أحد أبرز مظاهر شهر رمضان، إلا أن كثيرين لا يعرفون حكاية ظهوره وتطوره.
اختلف المؤرخون حول قصة ظهوره، إلا أن جميعهم اتفقوا على أن العاصمة المصرية القاهرة كانت أول مدينة إسلامية أطلقت المدفع عند الغروب، إيذانا بحلول موعد الإفطار.

بدأت فكرة مدفع الإفطار تنتشر بعد ذلك في أقطار الشام (القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى) ثم بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها انتقل إلى مدينة الكويت حيث جاء أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح، وذلك عام 1907، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونيسيا سنة 1944.
بعد 30 عام من التوقف عمل عام واحد
بعد مرور 30 عامًا علي توقفه وعلي الرغم من ترميمه وإطلاقه خلال العام الماضي 2021 من قبل وزارة الآثار والسياحة المصرية، لم يعمل الا عام واحد و توقف مدفع الافطار من جديد هذا العام 2022، وذلك بسبب حالة المدفع السيئة فقد كان إطلاقة المدفع خلال العام الماضي ضعيفة جدًا والبعض من الأثريين ذكروا أن صوت المدفع كان صوتًا غير حقيقي، ولكنه صوت مسجل عبر مكبر صوت وضع بجوار المدفع ليوحي بانطلاق مدفع رمضان .
ما هي قصة مدفع الإفطار ؟
وفقاً لدراسة أجراها عالم الآثار الإسلامية الدكتور علي أحمد الطايش، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة والتي اوضحت أن ظهور مدفع الإفطار جاء بمحض الصدفة في أول يوم رمضان عام 859هـجرية 1455ميلادية كان والي مصر في هذه الفترة الوالي المملوكي "خوشقدم" قد تلقى مدفعاً هدية من صاحب مصنع ألماني فأمر بتجربته وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة أن ذلك إيذان لهم بالإفطار، وفي اليوم التالي توجه شيوخ الحارات والطوائف إلى بيت الوالي لشكره على هديته لسكان القاهرة، فلما عرف الوالي الحكاية أعجب بذلك، وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان، واستمر هذا الأمر.
روايات أخرى
ذكرت دراسة عالم الآثار الإسلامية الدكتور علي أحمد الطايش أن مدفع الإفطار ارتبط اسمه بالحاجة فاطمة ففي سنة 859 هجرية عندما توقف المدفع الذي أطلقه خوشقدم على سبيل التجربة عن الإطلاق ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع لكنهم لم يجدوه والتقوا زوجة السلطان التي كانت تدعى الحاجة فاطمة ونقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه، فأطلق الأهالي اسم الحاجة فاطمة على المدفع واستمر هذا الإسم حتى الآن.
هناك رواية ثانية تقول بأن ظهور المدفع مصادفة كان في عهد الخديوي إسماعيل، حيث كان بعض الجنود ينظفون أحد المدافع فانطلقت منه قذيفة وقت أذان المغرب فى أحد أيام رمضان، ليتحدث المصريون عن الأمر وقد علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة وأصدرت فرماناً يفيد باستخدام المدفع عند الإفطار لذلك سمي علي اسمها .
وهناك رواية مشهورة عن ظهور مدفع الإفطار تقول إن والي مصر محمد علي الكبير كان قد اشترى عددًا كبيرًا من المدافع الحربية الحديثة في إطار خطته لبناء جيش مصري قوي، وفي يوم من الأيام الرمضانية كانت تجري الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة فانطلق صوت المدفع مدويًا في نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليدًا جديدًا، واعتادوا عليه وطلبوا من الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطار والسحور فوافق وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميًا إلى ظاهرة رمضانية مرتبطة بالمصريين كل عام.
فيما رجحت آراء أخرى أن المدفع بدعة فرنسية منذ أيام الحملة الفرنسية على مصر، حيث حاول نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية حاول مجاملة المصريين وأمر ببناء مدفع فوق المقطم وآخر في الإسكندرية، لينطلق وقت الإفطار والسحور ثم انطلقت الفكرة لتشمل معظم الدول الإسلامية .
استخدم الذخيرة الحية
ولقد استمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859 ميلادية ولكن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة غير الحقيقية أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية، كما كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة، ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدراسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة البعوث قرب جامعة الأزهر وظلّ المدفع يطلق قذائف حية لعدة سنوات، ثم استبدلت بقذيفة صوتية للأمان وقت أذان المغرب إلى أن عرفت مصر الإذاعة، فأصبح المدفع يطلق مسجلاً، حيث كان آخر عام أطلق فيه المدفع بالقلعة عام 1992 ليتحول إلى قطعة أثرية حالياً.
6 مدافع و5 مناسبات
يقول الخبير الأثري المصري الدكتور عبدالرحيم ريحان في دراسه له لقد كان في القاهرة حتى وقت قريب 6 مدافع موزعة على أربعة مواقع، اثنان في القلعة، واثنان في العباسية، وواحد في مصر الجديدة، وآخر في حلوان، تطلق كلها مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعها كل سكانها وكانت هذه المدافع تخرج في صباح أول يوم من رمضان في سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة، ولم تكن هذه المدافع تخرج من مكانها إلا في خمس مناسبات وهى رمضان والمولد النبوي وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد الثورة، وكان خروجها في هذه المناسبات يتم في احتفال كبير حيث تحمل على سيارات تشدها الخيول، وكان يراعى دائما أن يكون هناك مدفعان في كل من القلعة والعباسية خوفا من تعطل أحدهما.
ويذكر الخبير الاثري في دراسته أن المدافع قد توقف في بعض الأعوام عن الإطلاق بسبب الحروب أدى إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983 عندما صدر قرار من وزير الداخلية المصري بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة، ولكن استمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع أدى لنقله من مكانه خصوصًا أن المنطقة بها عدة آثار إسلامية هامة
ويستقر الآن المدفع فوق هضبة المقطم وهي منطقة قريبة من القلعة ونصبت مدافع أخرى في أماكن مختلفة من المحافظات المصرية ويقوم على خدمة المدفع أربعة من رجال الأمن الذين يُعِدُّون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك.
أين مدفع الإفطار القديم ؟
يعرض مدفع الإفطارالقديم حاليا بساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، ومواصفاته هي مدفع ماركة كروب إنتاج عام 1871 م، عبارة عن ماسورة من الحديد ترتكز على قاعدة حديدية بعجلتين كبيرتين من الخشب بإطارات من الحديد، وكان يقوم بتشغيله اثنين من الجنود أحدهم لوضع البارود فى الفوهة والآخر لإطلاق القذيفة ويُعتقد أن المدفع تم تغييره أكثر من مرة وانتقل إلى أكثر من مكان.

