الإعلام الغوبلزي في زمن الفضاء المفتوح !

كتب – عبدالله العميره
أعكف حاليًا على إعداد كتاب يجمع خلاصة تجربتي في العمل الصحفي على مدى أربعين عامًا، حيث مررت بلحظاتٍ امتزج فيها الألم بالسعادة، وتداخلت التجارب بين محطات مؤلمة وأخرى سعيدة. وأحيانًا، كانت بعض اللحظات القاسية تُفضي إلى سعادة غير متوقعة، حيث تتجلى الحقيقة في "اللحظة الفارقة" التي تغيّر كل شيء.
لا تفارقني هذه الحكمة: "نرى أمورًا قد تبدو لنا سيئة، لكنها في النهاية تصبّ في مصلحتنا." فالمسيرة المهنية والحياتية ليست سوى سلسلة من الأحداث التي تكشف لنا معاني أعمق مع مرور الوقت.
الصدق والوضوح، والعمل الجاد الصادق، والثقة في الله المدبر، هي المعين الذي يمنح القوة للاستمرار، حتى الوصول إلى تلك اللحظة التي تحمل السعادة المنتظرة.إنه ليس مجرد استعراض لمسيرتي المهنية، بل هو توثيق لقصص وحكايات استقيتها من واقعي، وأخرى رصدتها عن قرب أو بعد، تأملتها بعمق، ونظرت إليها من زاويتي الخاصة، وحللتها وفق رؤيتي الشخصية.
يقدم الكتاب مجموعة من الأفكار والرؤى التي استخلصتها من هذه التجارب، إضافةً إلى حلول للإشكاليات التي تواجه العمل الإعلامي والحياة المهنية بشكل عام. كما يتناول كيفية تعزيز الإيجابيات، والاستفادة من الدروس المستفادة، بهدف الإسهام في صناعة حاضر أكثر وعياً، ومستقبل أكثر إشراقًا.
والحكاية لا تنتهي... فمهنتي هي شغفي، وهوايتي التي أعشقها تتجسد في عملي الصحفي، حيث أجد متعتي في القراءة المستمرة، والمتابعة الدقيقة، والإنتاج الإعلامي الذي لا ينقطع. أسعى دائمًا لملاحقة كل جديد في عالم الصحافة والإعلام، وأرصد وأحلل ما يُعرض في مختلف وسائل الإعلام العالمية – بقدر ما أستطيع – مستلهمًا من ذلك أفكارًا تعزز الفهم العميق لمجريات الأحداث، وتثري تجربتي المهنية والفكرية.
ومع إنغماسي في الكتاب؛ أتابع ما ينتجه الإعلام العربي، وايضاً الغربي.
لاتغيير في المنهج ، ولا يختلف عن أسلوب غوبلز، إلا استخدام التقنية الحديثة في إذاعة ذات المحتوى المشابهة لأداء "غوبلز" .
مثلاً: ما يحدث في غزة ..
كل مرة أتساءل: أين الجديد؟. من المسؤول الحقيقي عن الدمار، هل المسؤول ما يعلنه الإعلام الغوبلزي الإسرائيلي، أم ما يلوكه الإعلام الغوبلزي العربي؟!
وهناك أمثلة كثيرة على أحداث وحروب مدمرة في منطقتنا والعالم، لعب التظليل الإعلامي فيها أدواراً مخربة.
ولا تختلف "البروباغندا الغوبلزية" عن الممارسات "اللاموضوعية" في الدعاية لمؤتمرات تُركز على المظاهر أكثر من التأثير الفعلي والربح المالي. ولأن الشعب العربي معتاد على ظاهرة "الهياط"، على غرار ما كان يمارسه غوبلز، فإن التأثير يكون محدودًا، ولا يكاد يُذكر على الرأي العام في الخارج.
من المعروف أن الرأي العام في الخارج يعكس مواقف وتوجهات المجتمعات الدولية تجاه قضايا معينة أو أحداث عالمية، ويُشكّل هذا الرأي من خلال التفاعل بين وسائل الإعلام، الحكومات، النخب الفكرية، والمؤثرين في مختلف المجالات.
لكن من الملاحظ أن العديد من البرامج الإعلامية تشبه "البروباغندا" المؤقتة؛ فهي تشبه الألعاب النارية من حيث الفقاعات المضيئة والضجيج، لكنها سرعان ما تنطفئ وتختفي دون أن تترك أثرًا أو تأثيرًا يُذكر.
ولتوضيح النقطة بشكل أدق، المشكلة لا تكمن فقط في برامج المؤتمرات والمحطات الإعلامية، بل في الإدارة الإعلامية ذاتها واختيار الضيوف والمحتوى. كثير من هذه البرامج تعتمد على تقديم محتوى سطحي لا يُعزز من الوعي أو يُحدث تغييرات مستدامة على أرض الواقع.
سؤال:هل يوجد من يحترم عقل المتلقي في هذا الزمن ؛ زمن الإنفتاح ، وعالم الفضاء ؟!
الإجابة؛ معروفة!
ألا يوجد راشدون وخبراء يُستعان بهم في مثل هذه المناسبات والبرامج؟ أم أن المكابرة والاعتقاد بثقافة "الفرقعة" هي التي تسيطر، وكأنها الأهم من العمل المنظم والمفيد بأقل التكاليف؟
ألا يوجد شخص راشد يمتلك القدرة، القرار، والخبرة في اختيار من يمكنه الإرشاد إلى الأفضل؟ أم أن "الهياط" والمُهايطية أصبحا المطلوبين لتحقيق الحضور الإعلامي السطحي فقط، دون النظر إلى جودة الأثر وتأثيره الحقيقي؟!
ما هو الإعلام الغوبلزي؟
مصطلح "الإعلام الغوبلزي" يعود إلى جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازية، الذي ابتكر أساليب التضليل الإعلامي والدعاية الموجهة.
يقوم هذا الإعلام على:
تكرار الأكاذيب حتى تصبح "حقائق" في ذهن الجمهور.
استخدام العواطف بدلًا من المنطق لإقناع الجماهير.
تقديم رواية أحادية دون السماح بمصادر بديلة.
التلاعب بالمعلومات لخدمة أجندات سياسية أو أيديولوجية.
كيف يتم التعامل مع الإعلام الغوبلزي؟
التفكيك: كشف استراتيجيات التلاعب..
أي دعاية إعلامية مضللة تعتمد على تكتيكات واضحة، يمكن تفكيكها من خلال:
تحليل اللغة المستخدمة: هل تعتمد على التخويف أو المبالغة؟
مقارنة المصادر: هل توجد روايات بديلة للخبر؟
التدقيق في التكرار: هل يتم تكرار نفس الفكرة دون أدلة جديدة؟
إذا كانت هناك حملة إعلامية ضد جهة معينة، يمكن رصد كيف يتم إعادة تدوير نفس الادعاءات في وسائل الإعلام المختلفة دون دليل جديد.
التركيب: بناء رواية إعلامية مضادة تعتمد على الحقائق
بعد كشف التضليل، يجب تقديم محتوى بديل يستند إلى الأدلة والشفافية عبر:
إنتاج تقارير استقصائية موثوقة.
استخدام الإعلام الرقمي لكسر احتكار السرد الإعلامي المضلل.
تقديم تحليلات مبنية على أرقام وبيانات، بدلًا من العاطفة.
إذا كان هناك تضليل حول وضع اقتصادي، يمكن نشر تحليلات اقتصادية تستند إلى بيانات رسمية ومستقلة لكشف الحقيقة.
التعامل مع الإعلام الغوبلزي يتطلب تفكيك أساليبه، ثم تركيب سردية إعلامية تعتمد على الحقائق والشفافية.
الإعلام الذكي لا يكتفي بالرد على التضليل، بل يقدم رواية إعلامية أكثر قوة وإقناعًا.