عبد الله العروي الذي جَمَعَ ما لا يُجمَع

news image

 
 


سفيان البرَّاق*

 

استأثر هاجسُ النّهضة والتقدُّم بطائفةٍ من المفكّرين الذين عزَّزوا الخريطةَ الثقافيّة العربيّة بجملةٍ من الكتابات التي استأثَرَ مظانُّها بإيجاد السبيل الأكثر يسراً لمُعانَقة "الانبعاث الحضاريّ" والانفلات من معضلة التأخُّر التاريخيّ التي استبدّت ببلادنا العربيّة، وأَبت أن تبرحها، ومن داخل هذا الهاجس شهدَ الفضاءُ العربيّ انبثاقَ تيّارَيْن فكريَّيْن سَعيا جاهدَيْن إلى تجاوُزِ نكبتنا التاريخيّة.

كلُّ تيّارٍ قدَّمَ رؤيتَهُ وأراقَ اعتماده، وكانت بينهما تبايُناتٌ جليّة، غير أنّ القصدَ واحدٌ: التيّار الأوّل رأى أنّ النّهضة لا يُمكن أن تتحقَّق فعليّاً في المُجتمعات العربيّة إلّا بالعودة إلى أمجاد الأسلاف، وإحياء إرث الأجداد، ومردُّ هذا الاعتقاد هو أنّ العرب عاشوا، قبل قرونٍ من الآن، نهضةً شملتْ مختلف مناحي الحياة، وعايَنوا مَجداً تاريخيّاً، ومن ثمّ يُمكن العودة إلى ذلك الماضي لحلّ معضلات الرّاهن، فضلاً عن أنّ المُنتسِبين إلى هذا التيّار ما فتئوا يُقرّون بأنّ تخلُّف الأمّة العربيّة نابعٌ من تحاشي سنن العقيدة، وعدم السَّيْر في المَسار نفسه الذي سارَ فيه الأسلافُ المُسلمون. والتيّار الثاني يزعمُ أنَّ إحرازَ التقدُّم والتنعُّم بالكمال و"استعادة المُبادرة التاريخيّة" (عبد الله العروي، نقد المفاهيم، 2018، ص110) وامتلاك استقلالٍ ذاتي يستوجبُ النّهلَ من التجربة الغربيّة واستيعابَ مُكتسباتِها، وتوطينَ كلّ حصائل الفكر الحديث في المجتمع العربي دونما أيّ اختزالٍ، علاوةً على ضرورة التمعُّن في المَسار الذي قَطعته منظومة الحداثة منذ بداية تشكّلها خلال القرن السادس عشر وصولاً إلى مرحلة وعي الفرد الأوروبي بعقابيل هذه التحوّلات "النوعيّة" خلال القرن الثامن عشر. والحال أنّ الصراع قد احتدمَ بين مَن فخَّم وعظَّم الماضي وظلَّ أسيرَ تراث الأسلاف وما انفكّ ينظرُ نظرةً عدائيّة إلى كلّ فكرة أو إبداع يجيء من الضفّة الأخرى، أي أوروبا، وبين مَن اعتبرَ أنّ الحداثةَ الغربيّة هي النموذجُ الأكْمل والأمْثل لتجاوُز محنة التأخُّر التاريخي. وهذه المِحنة تكشَّفت فعليّاً حينما قادَ نابليون حملاتِه العسكريّة على مصر ما بين 1798 - 1801، وكانت تتّصف بالتنظيم العالي، ووفرة الأسلحة، وتنوُّعِها، ليكتشفَ العربُ تفوُّقَ الضفّة المُجاوِرة، ويَطرحوا إشكاليّةً تُعَدُّ من أَجَلِّ الإشكاليّات التي أرَّقت الفكرَ العربي الحديث: لماذا تأخَّرنا نحن وتقدَّم الغرب، وما السبيل لإحراز التقدُّم والنّهضة؟ وداخل هذا السّجال انبلجَ تيّارٌ آخر يُنعَتُ بـ المَوجة الانتقائيّة التي تروم العودةَ إلى التراث العربي والاستفادةِ منه، والغَرْف من إرث الثقافة العربيّة في الآن عَيْنه، وبذلك يتحقَّق، من وجهة روّاد هذه المَوجة، التوازنُ المطلوب والانبعاثُ المرجوّ.

تتخيَّر هذه المقالةُ أنموذجاً من هذه التيّارات الثلاثة، وهو الذي كرَّس مشروعَه الفكريّ زهاءَ ستّة عقود لتشريحِ أعطابِ المُجتمعات العربيّة والوقوفِ عندها مُحلِّلاً إيّاها بالعناية والدقّة المطلوبتَيْن، وعرّى أيضاً العواملَ التي أخّرت حُلمَ الانبعاث والنّهضة، وأَبرزَ المسارَ المناسب الذي يَجب اتّباعُهُ لتجاوُزِ هذه النّكبة التاريخيّة والانغمار في عجلة التقدُّم و"استعادة الصدارة المفقودة"، وأعني هنا: المفكّر المغربي عبد الله العروي الذي يُنظَر إليه بحسبانه مُنافِحاً لامعاً عن الحداثة في الثقافة العربيّة المُعاصرة. فهو الذي رأى فيها حلّاً مُناسباً للمشكلات التي عمّت دنيا العرب وفرْملَتْ مسيرةَ الحداثة، وجعلَتِ المُجتمعات العربيّة بعيدةً عن الصفوة بعدما فقدتِ الصدارة التي احتلَّتها في زمنٍ ولّى. وهذه المَنزلة التي يكتسيها نابعةٌ أساساً من تفرُّدِه في الجمْعِ بين النّقد الإيديولوجيّ منذ صدور كتابه العُمدة "الإيديولوجيا العربيّة المعاصرة" في العام 1967، وبين الكتابة التاريخيّة ومُشاكَسة أهمّ المتون الفلسفيّة في الضفّتَيْن: الغربيّة والعربيّة، وبين القفز على التحليل الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن التأليف الأدبي الذي يتّسمُ بالشمول لكونه كَتَبَ في جنس الرّواية (الغربة، اليتيم، أوراق، الفريق، غيلة، الآفة)، وألَّف في جنس أدب اليوميّات من خلال رباعيّة "خواطر الصباح"، كما كان له إسهامٌ جدّيّ في الكتابة المسرحيّة من خلال نصّه: "رجل الذّكرى". ومن ثمّة يحدث أنّ العروي تميَّز بجمْعِه، في يدٍ واحدة، ما لا يُجمع.

غير أنّ التأليفَ الأدبي عنده لم يكُن تَرَفاً أو نافذةً للترويح عن نفسيّته المُثقلة بالخَيبات، أو أنّه نَزع إلى الخيال تبرُّماً من الواقع، بل العكس هو الذي حصل؛ إذ إنّ أعماله السرديّة لم تَخرج عن القضايا الفكريّة التي ظلَّ مهجوساً بها في مؤلّفاته الفكريّة - النقديّة مثل: الصراع المُستعرُّ بين الغرب والشرق، مشكلة التربية في المجتمع المغربي (شخصيّة إدريس في رواية "أوراق"، وشخصيّة نعمان في نصّ "غيلة" هُما مِثالان عن هذه الأزمة التي لا تفتر عن ملاحقة الفرد طيلة رحلته في درب الحياة)، معضلة ثقافة الأمّ (الأميّة)، إشكاليّة الحداثة والتقليد، وذلك يتبدّى بجلاء من خلال ابتكاره شخصيّة الشيخ المنافح عن التراث في جلّ نصوصه (رواية الفريق مثالاً)، إلى غير ذلك من القضايا التي قد لا تنقضي عدّاً.

هو ومداميك الفكر الأوروبيّ

ولم يكتفِ العروي بذلك كلّه، بل اتّجه أيضاً صوب الترجمة ليُثري المكتبةَ المغربيّة والعربيّة بثلاث ترجماتٍ لمؤلّفاتٍ تُعَدُّ من مداميك الفكر الأوروبي الحديث. ولعلّ هذه الترجمات تمخَّضت عن إحساسه بأنّ العرب لا يزالون بمنأىً عن تفهُّم حصائل هذا الفكر، لذا شرعَ في نقْلِها إلى اللّغة العربيّة، وكان قد افتتَحها بترجمةٍ لكتابِ مونتسكيو "تأمّلات في تاريخ الرومان" (2011)، وأَردفها بترجمةِ مؤلَّفِ "دين الفطرة: عقيدة القسّ من جبل السافوا" (2012) لجان جاك روسّو، فضلاً عن ترجمة "مقالة في السياسة" (2023) للفيلسوف الهولندي اسبينوزا. هل يُمكن نعْتُ هذه الترجمات بأنّها إيماءاتٌ لتحوّلاتٍ لم يَنجح المثقّفون العرب في إحرازها واقعيّاً؟ أوّلاً على مستوى الاعتقاد، حيث إنّ روسّو كان قد رسمَ تميُّزاً بالِغ الأهميّة بين إنسانٍ فطري لم تتسرَّب إليه الشّوائب ولم يَكتشف ملذّات الدنيا ولم تَعترضه حوائل الحياة وهو إنسانٌ متنعّمٌ بالسعادة (دين الفطرة، ص9)، وإنسانٌ احتكّ بالمُجتمع وأثَّرَ عليه ما يضْطرب فيه ليتخلّى عن فطرته الأولى. ثانياً ضرورة امتلاك وعي تاريخي من حيث إنّ التاريخ هو "الفارق بين العرب والغرب" (مفهوم العقل، ط2، 1997، ص18). وذلك لن يتأتّى إلّا من خلال التمعُّن في حقل التاريخ لكونه حَقلاً يُفيد الحاضر والمستقبل؛ لأنّ كلَّ واقعةٍ تاريخيّة، كيفما كانت، لها تأثيرٌ على الحاضر. وهنا تتجلّى أهميّة المؤرِّخ الحديث أو كما يُسمّيه العروي "المؤرِّخ المُحترِف" (أنظر كتابه: Islam et Histoire, 2021, p.96) الذي يَعودُ إلى الأحداث ويَفحصها بعناية، ولا يملّ من تفكيكِها وتحليلِها بتروٍّ كبير مُحاوِلاً استجلاءَ العِبر والحِكَم، ومُعلِّقاً عليها، ومُفرِزاً الواقعة الحقيقيّة من الزائفة، ومن ثمّ فإنّه يَنطلق من الماضي ليُسديَ خدمةً جليلة للحاضر. لنأْخذ من باب التمثيل هفوةً وقعت فيها أمّةٌ من الأُمم فحينما يَذكرها المؤرِّخُ ويُحلِّلها ويَنتقدُها فإنّ الأمير - الحاكم الذي يُعاصره سيستفيد منها وسيَحرص على تلافيها (للاستزادة في هذه النقطة يُنظر:Islam et Histoire, p.94-96). ثالثاً في حقل السياسة؛ فاسبينوزا في مؤلَّفه المذكور غاصَ في النَّفس البشريّة واعتبَرها نفْساً يُسيِّرها الهوى لا التعقُّل؛ نَقرأ له في هذا الباب: "الغالب على تصرُّف الناس ليس العقل، بل الشهوة العمياء" (مقالة في السياسة، ط1، 2023، ص24)، كما فكّك بنية الدولة، وبيَّنَ صلاحيّات الحاكِم وواجبات الرعيّة تجاه الدولة، ووقفَ مطوّلاً أمام أنظمة الحُكم: فأَظهرَ أنّ الدولةَ المَلَكيّة تقومُ على أربعين دعامة (ص70) وتتجسّد روحُها في شخصِ المَلك (ص64)، ثمّ الدولة الأرستقراطيّة التي تكون بيَدِ جماعةٍ من المُواطنين يُنتخَبون ويَنعتهم اسبينوزا بـ "الأعيان"، وشاطرَ المقوّمات التي تقف عليها من قَبيل: الولادة، البخت، حُسن الطالع (ص95)، ثمّ النّظام الديمقراطي بحسبانه أرقى ما ابتدعته التجربةُ السياسيّة لدى الغرب وهو نظامٌ لا يقومُ إلّا على "الاختيار" (ص95)، أي اختيار مَن يصون حقّهم البديهي والطبيعي: الحريّة (يُنظر: عبد الله العروي، مفهوم الحريّة، ط4، 2008، ص61)، ويرعى مصالح المواطنين ويجعلهم تحت كنف المساواة بصرف النّظر عن أيِّ تبايُناتٍ عرقيّة، إثنيّة، أو إيديولوجيّة...إلخ.

الإيماءة إلى روح التاريخانيّة

ليس بخافٍ أنّ العروي مفتونٌ بالثقافة الغربيّة، مُنبهرٌ بالحداثة ونتائجها، متشبّعٌ بمقولاتها ومبادئها، وهذا ما أفضى به إلى الاقتداء بها، مُعتبراً إيّاها الأنموذجَ الوحيد الجدير بالاحتذاء لتجاوُز أزماتِ الحاضر، لكون أوروبا عاشت الأزماتِ نفسها، وبالتالي لا ضير في الاستفادة من تجربتها. وهنا إيماءةٌ إلى روح التاريخانيّة التي اكتفى برفْعِ رايتها لوحدها كما أقرّ في الصفحات الأولى من كتابه "السنّة والإصلاح" (ط1، 2008، ص6). فهذا المنهجُ يؤمن بأنّ "التاريخ واحدٌ وكونيٌّ" وأنّ شروط النموّ والنبوغ والتقدُّم هي واحدةٌ وتسري على جميع الأُمم دونما استثناء، علاوةً على أنّه يرى أنّ "إيجابيّة المثقّف" لا محيد عنها في الانفلات من أيّ نائبة أو ضائقة خرَّبت مُجتمعاً ما؛ فالمثقّفون الألمان، وماركس من ضمنهم، حينما استشعَروا التأخُّرَ خلال القرن التّاسع عشر، وضَعوا يدَهم في يد الحاكِم ووحَّدوا الجهودَ واستعانوا بتجارب البلدان الناجحة: فرنسا بوصفها دولةً افتخَرتْ بثورةٍ سياسيّة فاصلة في التاريخ الحديث مكَّنتها من الإطاحةِ بالمَلَكيّة المُطلَقة، وإنكلترا بوصفها بلداً أَحرز تفوُّقاً نوعيّاً لا نظير له في مجال الإنتاج والتصنيع.

كما أنّ التاريخانيّة ما فتئت تعتقدُ أنّ "إمكانيّة الاقتباس" من الأُمم المزدهرة هو أمرٌ إيجابي (راجع: العرب والفكر التاريخي، ط5، 2006، ص207)؛ ذلك أنّ مجتمعاً يُعاني ويلات الانكفاء ويَنخره التخلُّف، وأمامه نموذجٌ عاشَ التجربةَ نفسها وتمكَّن من الانبعاث والنبوغ والازدهار بعدما غاصَ في دوّامة التخاذُل التاريخي، لِمَ لا يَقتبس منه ويَختزل الطريق، وبعدها يُمكنه أن يُبدع ويَبتكر ويُجدِّد كيفما يبتغي. قد ينبري ذائدٌ عن أطروحةٍ مُخالِفة لهذه ويَزعم أنّ التقدّم قد يتجسّد من وسط ثقافتنا، وأنّ النّهضة قد تبزغ من داخل أصالتِنا، غير أنّ الواقع يُفنّد هذا الزَّعم؛ حيث إنّ الأطروحات التي قُدِّمت في هذا المضمار كثيرة وربّما يصعب حصرها، بيد أنّ إسهامها الواقعي شبه منتفٍ. ألَم يُخامر الشيخ محمّد عبده اعتقادٌ مفاده أنّ ضلال الأمّة العربيّة الإسلاميّة راجعٌ إلى التخلّي عن إرثِ السلف وابتعادها عن مداميك العقيدة الإسلاميّة، وعدم العمل بنواميسها، غير أنّ ما يُمكن استجلاؤه من اعتقاده ذاك، أنّه قد أهمل العرب غير المسلمين، وهنا قد راح ضحيّة خطأ منهجيّ (يُنظر: تعليق العروي على مفارقته هذه في: مفهوم العقل، ص23-24).

كان مَدار كِتاب "مفهوم العقل" هو تبيان أنّ شروط تحقيق الانبعاث الحضاري مُقترِنةٌ أساساً بـ "القطيعة مع التراث" أو "طَيْ الصفحة" لكون الأموات عاجزين عن إيجادِ حلولٍ لمشكلات الحاضر، ولكون الماضي أيضاً مرادفاً للتقليد، وهذا الأخير "يُعادي التجديد" (مفهوم العقل، ص25) و "يرفض الفكر التاريخي" أيضاً (راجع حوار العروي مع جسوس وعزيز بلال: عن التقليد والتخلُّف التاريخي). وارتأى العروي، بصرامته المنهجيّة، ودقّته العالية في التحليل والاستنتاج، وبراعته في الغَور في متون أساطين الفلسفة والتاريخ، أن يُبيِّن أنّ العقل الذي سادَ في الحضارة العربيّة الإسلاميّة هو عقلٌ اسمي ّ- نظريّ؛ إذ ظلَّ الإنسانُ العربيُّ محكوماً باعتقادٍ مفادهُ أنّ فَوق عقله يوجد "عقلٌ مُطلَق" (= عقلٌ متعال ٍ- قوّة خارجيّة)، ومن ثمّ لم يَقدر على بلْورة ما كان يُساور خلده على أرض الواقع، ولم يكُن يَنقل أفكارَهُ وتنظيراتِهِ من القول إلى الفعل، على الرّغم من أنّ هذه الحضارة شهدتْ عدداً هائلاً من الفلاسفة وشرّاح المنطق الأرسطي، غير أنّهم ظلّوا عاجزين عن الفعل والتصرُّف وحريّة الابتدار، عكس العقل عند الغرب الذي كانت له المقدرة على الفعل والإنجاز الواقعي الملموس. وللإبانة عن ذلك، فقد استدعى العروي محمّد عبده (نموذج الشيخ في الأدلوجة العربيّة المُعاصرة) واستدعى ابن خلدون من موقع أنّه قمّةٌ في التأليف التاريخي والتحليل الاجتماعي في عصره، إذ قارَنه العروي بمكيافيلّي حيناً، وحيناً آخر أَدخله في مقارنةٍ مع مونتسكيو وجان بودان. ومن باب التمثُّل يُمكن استحضار مُقارَنةٍ بالغة الأهميّة توجِز الفَرْق بين العقلَيْن الاسميّ والفعليّ.. فإذا كان مونتسكيو قد تطلَّع إلى إعادة بعْث الإمبراطوريّة الرّومانيّة، فإنّه بالتأكيد عادَ إلى التاريخ ودرسَهُ وحلَّلَهُ ووقَفَ على أسباب التوهُّج وعوامل الأفول. وعليه، فهو انطلقَ من هذا الواقع ليُخطّطَ ويُترجِمَ هذا الإحياء من دون انتظار أيّ تدخُّلٍ، مُتّكئاً على منطق التعقُّل وحده؛ في حين أنّ ابن خلدون، في جلّ تنظيراته وتحليلاته، كان ينتظرُ دوماً تدخُّلاً من "مالِك الكَون" (مفهوم العقل، ص354) لتحقيق ما يصبو إليه.

*باحث في الفلسفة من المغرب - مؤسسة الفكر العربي
وكالة بث