عامُ التّهدئةِ أمِ التصعيد؟ ما هِيَ أبرز المسائلِ التي تَحكُم مَصير العامِ الجديد؟ و هل يُمكِن استقراءُ المستقبَل في ظلّ تداخِلِ الأحداث؟

news image

 

 

تقرير - مروة شاهين - بث:

افتَتح العالمُ عاماً جديداً، يختلفُ بكلّ ثناياه و تفاصيله عمّا سَبَقهُ من العام المُنصرِم، فيما عدا بعض التشابه الذي فرضه فيروس كوفيد١٩ و تداعياته على قِطاعَي الصحة و الاقتصاد، إذ أتى هذا العامُ في طلّ توتراتٍ سياسية و عسكرية و اقتصادية تشهدها الساحة العالمية منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا و ما حملته معها من تأثيراتٍ شملت كافة دول العالم بلا استثناء.
إن بداية هذا العام حمِلت معها آفاتٍ و هموماً سياسية لم تكن دول العالم تفكر بها في بداية العام المنصرم، فبدلاً من كون عام 2023 عامَ التعافي من فيروس كوفيد١٩ و تداعياته و عودة الاقتصاد العالمي إلى سابق عهده، كانت حكومات و دول العالم تُفكر من إيجاد حلول لمواجهة المشكلات الجديدة بدلاً من كونها تتعافي من ازماتها السابقة، لا سيما لجهة أزمة الطاقة و الغذاء  و الصراع العسكري الدائر في أوكرانيا و التوتر العسكري في قلب أوروبا داخل منطقة البلقان، و احتمالات تجدد الصراع العسكري في الشمال السوري.
الإقتصاد العالمي نحو الإنكماش.. و استمرار ارتفاع أسعار الفائدة بسبب التضخم:
إذ كشفت دراسة  شاملة للبنك الدولي أن العالم قد يتجه نحو ركود اقتصادي في 2023 وسلسلة من الأزمات المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ستُسبِّب لها ضررا دائما، وذلك مع قيام البنوك المركزية في أنحاء العالم بزيادات متزامنة لأسعار الفائدة لمكافحة التضخم.
وتشير الدراسة الجديدة إلى أن البنوك المركزية في أنحاء العالم قد أقدمت على رفع أسعار الفائدة هذا العام بدرجة من التزامن لم تُشهَد خلال العقود الخمسة الماضية، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر في العام القادم. ولكن المسار المتوقع حالياً لزيادة أسعار الفائدة والإجراءات الأخرى على صعيد السياسات قد لا تكفي للنزول بمعدلات التضخم العالمية إلى المستويات التي كانت سائدة قبل تفشِّي جائحة كورونا. ويتوقع المستثمرون قيام البنوك المركزية في العالم برفع أسعار الفائدة الأساسية إلى نحو 4% خلال عام 2023، وهي زيادة تربو على نقطتين مئويتين عن متوسط أسعار الفائدة في عام 2021.
ووجدت الدراسة أنه ما لم ينحسر تعطُّل سلاسل الإمدادات، وضغوط أسواق العمل، فإن تلك الزيادات لأسعار الفائدة قد تُفضي إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي على مستوى العالم (ماعدا الطاقة) في 2023 إلى نحو 5%، أي ما يعادل تقريبا ضعفي المتوسط في السنوات الخمس قبل الجائحة. ووفقاً للنموذج الذي اعتمدت عليه الدراسة، فإنه لخفض التضخم العالمي إلى المستويات المستهدفة، قد يتعيَّن على البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة نقطتين مئويتين إضافيتين. وإذا صاحبت هذه الإجراءات زيادة الضغوط في الأسواق المالية، فإن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي سيتراجع إلى 0.5% في 2023، وهو انكماش قدره 0.4% من حيث متوسط نصيب الفرد من النمو يوافق التعريف الفني لركود عالمي. 
وتعقيباً على الدراسة، قال رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس: "يشهد النمو الاقتصادي العالمي تراجعاً حاداً، ومن المرجح زيادة تباطؤ النشاط الاقتصادي مع انزلاق مزيد من البلدان في غمرة الركود. وما يثير قلقي البالغ هو احتمال أن تستمر هذه الاتجاهات، وما لها من تداعيات طويلة الأمد ذات آثار مُدمِّرة للشعوب في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ولتحقيق معدلات تضخم منخفضة، واستقرار العملات، وتسريع وتيرة النمو ينبغي لواضعي السياسات تحويل تركيزهم من تخفيض الاستهلاك إلى تعزيز الإنتاج. ويجب أن تسعى السياسات إلى توليد استثمارات إضافية، وتحسين الإنتاجية وتخصيص رأس المال، وهي عوامل ضرورية لتحقيق النمو والحد من الفقر."
وقال آيهان كوسي، القائم بأعمال نائب رئيس البنك الدولي لشؤون النمو المنصف والتمويل والمؤسسات: "من المرجح أن يكون تشديد السياسات النقدية والمالية العامة في الآونة الأخيرة مفيدا في الحد من التضخم. ولكن لأنها على درجة عالية من التزامن في مختلف البلدان، فإنها قد تفاقِم بعضها بعضاً في تقييد الأوضاع المالية وزيادة تباطؤ النمو العالمي. ويجب أن يكون واضعو السياسات في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية على أهبة الاستعداد لإدارة التداعيات المحتملة للتشديد المتزامن للسياسات على مستوى العالم."
فيما قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إن عام 2023 سيكون صعبا على معظم الاقتصاد العالمي في الوقت الذي تعاني فيه معظم المحركات الرئيسية للنمو العالمي، وهي الولايات المتحدة وأوروبا والصين، من ضعف نشاطها الاقتصادي.
وقالت جورجيفا لبرنامج "واجه الأمة" الإخباري على قناة سي.بي.إس (CBS) الأمريكية إن العام الجديد سيكون "أصعب من العام الذي نتركه خلفنا". وأضافت "لماذا؟ لأن الاقتصادات الرئيسية الثلاثة، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، تتباطأ جميعها في وقت واحد".
وقالت جورجيفا "للمرة الأولى منذ 40 عاما، من المرجح أن يكون نمو الصين في عام 2022 مساويا للنمو العالمي أو دونه، و كنت في الصين الأسبوع الماضي داخل فقاعة في إحدى المدن الخالية من كوفيد-19... لكن هذا سيتغير بمجرد أن يبدأ الناس في السفر". وأضافت "في الشهرين المقبلين، سيكون الأمر صعبا على الصين وسيكون التأثير على النمو الصيني، وعلى المنطقة ككل، سلبيا، كما سيكون سلبيا على النمو العالمي".
الحرب الروسية الأوكرانية: التصعيدُ بدلاً من التهدئة:
مع بدايات الشهر الحادي عشر لاندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، لا تزال آمالُ الهدنة ضعيفة جداً أمام مآلات التصعيد، إذ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن روسيا تخطط لحملة طويلة من الهجمات بالطائرات المسيرة، في محاولة لتحطيم معنويات أوكرانيا.
وأضاف زيلينسكي أنه اطلع على تقارير استخباراتية، مفادها أن روسيا ستنفذ هجماتها بطائرات مسيرة إيرانية من نوع "شاهد" وقال: "علينا أن نضمن، بكل الوسائل، فشل هذا المسعى الإرهابي، مثلما أفشلنا المساعي الأخرى". "حان الوقت الآن لينتبه جيدا كل من يشارك في حماية الأجواء".
و في حفلٍ فني اُقيم في الولايـات المتحـدة الأمريكيـة، قال زيلينسكي: "نحن في عام 2023 والحرب في أوكرانيا لم تنتهي بعد ولكن الفائز واضح من الآن. في العام الماضي، أنتم كنتوا أفضل ناس. أنتم الشعب الحر الذي اجتمع لتأييد الشعب الأوكراني في صراعنا من أجل الحرية والديموقراتية وحق الحياة. الحرب العالمية الأولى أنهت حياة الملايين، والحرب العالمية الثانية أنهت عشرات الملايين، ولن يكون هناك حرب عالمية ثالثة. ستتمكن أوكرانيا من إيقاف العنف الروسي على أرضنا. وسنكون أحرارًا جميعاً في موطنا يوم نصرنا".
روسيا تُحذّر الغرب من التمادي في تسليح القوات الأوكرانية :
و في المقابل قالت الرئاسة الروسية إن إمدادات الأسلحة الغربية لأوكرانيا لن تكون قادرة على تغيير أي شيء على الأرض بشكل جذري، فيما أعلنت كييف حصيلة خسائر فادحة للقوات الروسية على أرضها.
وأكد الكرملين أن تسليم أوكرانيا مدرعات غربية وأسلحة أخرى أعلن عنها الأسبوع الماضي لن يكون له أثر سوى "إطالة أمد معاناة الشعب الأوكراني، ولن يغير ميزان القوى على الأرض"، نافيا في الوقت ذاته المزاعم عن وجود موجة جديدة من التعبئة الجزئية في روسيا.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء عن المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحفي: "تخطط واشنطن لتسخين الأعمال العدائية في أوكرانيا على الأقل حتى نهاية عام 2025. يخططون لذلك، بناءً على تلك الوثائق التي لا يخفونها عن أي شخص".
ولفتت زاخاروفا إلى أن وسائل الإعلام الأميركية، تستمتع بالفعل بتفاصيل ماراثون الفساد "البيت الأبيض – كييف – البيت الأبيض"، على حد وصفها.
وأضافت: "هذا الأمر هو ما يفسر رغبة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في إقناع الكونغرس بتضمين مساعدة إضافية لكييف تبلغ 37 مليار دولار في عام 2023. نصيب الأسد منها سيذهب لاحتياجات الجيش الأوكراني وبعد ذلك، سيتم تحديد أي منها يستقر في البنوك الأوروبية والعالمية والصناديق الخاصة".
وفي التطورات الميدانية، أعلن الموالون لروسيا في مقاطعة دونيتسك السيطرة على بلدة باخموتسكويه قرب سوليدار شرقي أوكرانيا.
بدورها، قالت الرئاسة الأوكرانية إن الوضع في مدينة سوليدار شرقي البلاد بات صعبا للغاية، لكنها لا تزال صامدة مع مدينة باخموت رغم الغارات الروسية التي ألحقت بهما دمارا كبيرا.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن القتال العنيف يتواصل، وإن مدينة خيرسون تتعرض لقصف روسي بالذخيرة الحارقة.
و في هذا الإطار قالت هيئة الأركان الأوكرانية إن قواتها الجوية نفذت في الساعات الماضية نحو 20 غارة على نقاط تمركز القوات الروسية في مناطق عدة، وأسقطت 3 مروحيات و3 مسيّرات روسية.
وأضافت الهيئة أن القوات الروسية نفذت خلال أمس الأحد أكثر من 30 غارة جوية وصاروخية على مواقع أوكرانية لم تسمها، موضحة أن الروس واصلوا الدفاع عن خطوط تمركزهم في مقاطعتي خيرسون وزباوروجيا.
من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها نفذت ضربة انتقامية ضد القوات الأوكرانية في مدينة كراماتورسك، مضيفة أن الهجوم يأتي ردا على هجوم ماكييفكا بمقاطعة دونيتسك ليلة رأس السنة.
وأكدت الوزارة أن الضربة أدت إلى مقتل 600 عسكري أوكراني في المدينة، فيما أكد الجيش الأوكراني أن التصريحات الروسية عارية عن الصحة.
تحوّلاتُ الوضع في سوريا.. كيف ستؤثر المصالحة بين الأسد و تركيا على مستقبل سوريا:
بعد ما يقرب من عشر سنوات من القطيعة التامة بين تركيا و نظام الأسد في سوريا، دفعت أزمة اللاجئين و الضغوط الاقتصادية و الظروف الدولية بحزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا إلى تنفيذ عملية استدارةٍ في المواقف تجاه نظام بشار الأسد، بعد ما يقرب من عقدٍ على دعم تركيا لقوات المعارضة السورية في قتال قوات النظام السوري، إذ تسعى تركيا في الوقت الراهن إلى إتمام عملية مصالحة بين أردوغان و الأسد ، بهدف حل أزمة اللاجئين و إشراك النظام السوري في مسألة مكافحة التنظيمات الإرهابية التي تنتشر على الحدود السورية التركية. 
و بطبيعة الحال، فإن روسيا هي الوسيط الأول بين سوريا و تركيا، إذ تعتبر روسيا هي المرجع الأول للنظام السوري في اتخاذ اي قرارات مهمة سواء على الصعيد الخارجي ام الداخلي، لا سيما أن روسيا في المستفيد الأول من تهدئة الوضع في الشمال السوري على الحدود مع تركيا لانشغالها عسكرياً في الصراع مع أوكرانيا في شرق أوروبا، و بالتالي فإن روسيا لن تكون متفرغة لإدارة اي صراع عسكري جديد في شمال سوريا بين تركيا و القوات و الجماعات المسلحة الموالية للأسد. 
و في إطار السعي لإتمام عملية المصالحة السورية التركية، أشارت وزارة الدفاع الروسية في بيان إلى أن "محادثات ثلاثية جرت في موسكو بين وزراء الدفاع في روسيا الاتحادية والجمهورية العربية السورية وجمهورية تركيا".
وأوضحت الوزارة أن المحادثات بين وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو والتركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس تطرقت إلى "سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين"، كما و"الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة".
وأضافت الوزارة أن "الفرقاء شددوا على الطبيعة البناءة للحوار بالشكل الذي عقد فيه وضرورة مواصلته بغية إرساء الاستقرار" في سوريا.
وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن وزير الدفاع خلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان التقيا بوزير الدفاع السوري علي محمود عباس ورئيس المخابرات علي مملوك في موسكو إلى جانب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
وأضافت "بحث هذا الاجتماع البّناء سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والجهود المشتركة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا".
وأشار البيان إلى أن الأطراف التركية والروسية والسورية اتفقت على مواصلة الاجتماعات الثلاثية.
وأوردت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" أن "جلسة مباحثات ثلاثية عقدت  في موسكو بين وزراء دفاع سوريا وروسيا وتركيا تم فيها بحث سبل الحل في سوريا ومسألة اللاجئين وجهود محاربة الإرهاب".
وأشارت الوكالة إلى أنه "تم التأكيد خلالها على أهمية وضرورة استمرار الحوار من أجل استقرار الوضع في المنطقة".
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كانون الأول/ديسمبر الحالي أنه اقترح على نظيره الروسي فلاديمير بوتين تشكيل آلية ثلاثية مع روسيا وسوريا لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق. كما عبر عن رغبته في لقاء الرئيس السوري بشار الأسد.،
و في هذا الإطار، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً لمجلة ذا تايمز للكاتبة هانا لوسيندا سميث بعنوان: "ضربة للمعارضة السورية بعد أن مد أردوغان يد الصداقة للأسد".
ويشير التقرير إلى أن تركيا، وهي آخر حليف قوي للمعارضة السورية، تعمل على تغيير مسارها، وتتجه نحو المصالحة مع دمشق.
ونقل التقرير عن رامي الجراح، وهو من أوائل المعارضين السوريين الذين غردوا عن الاحتجاجات في دمشق قبل 12 عاماً، ويعيش الآن في المنفى في ألمانيا، قوله إن هذا التحول "ليس مفاجأة، لكنه لا يزال صفعة كبيرة في وجه أولئك الذين يتطلعون إلى سوريا الحرة".
ومع ذلك، يعتقد أن الشتات السوري في تركيا قد ارتكب أخطاءً أيضاً. وقال: "تعامل السياسيون والناشطون والصحفيون السوريون مع تركيا كدولة الحزب الواحد واستبعدوا إقامة علاقات مع أحزاب المعارضة التركية. أدى ذلك إلى استياء تجاه السوريين من الأتراك الذين يعارضون أردوغان، وترك مصيرهم في نهاية المطاف في يد سياسي براغماتي واحد".
وأشارت التايمز إلى أن أردوغان كان يرحب في البداية بالسوريين ومنفيي الربيع العربي الآخرين، وهم بدورهم أيدوه إلى حد كبير، "حتى عندما انزلق نحو نوع من الاستبداد". ويعتقد الأتراك، بحسب الصحيفة، أنه إذا بقي السوريون وحصلوا على الجنسية التركية، كما حصل بالفعل مع مئات الآلاف، فسيصبحون كتلة انتخابية مهمة ستزيد الأصوات في المستقبل لمصلحة أردوغان.
وتضيف أنه ومع تصاعد مشاكل تركيا الاقتصادية وانقلاب المد السياسي في المنطقة ضده، سعى أردوغان إلى إعادة بناء الجسور مع جيرانه وتقديم نفسه على أنه القائد الذي سيعيد السوريين إلى بلادهم.
وذكرت التايمز بلقاء أردوغان في الأشهر الأخيرة بقادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقيامه بمبادرات تجاه مصر.
وأضافت أنه أعاد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بعد سنوات من الخلافات حول علاقات تركيا مع حماس ومعاملة إسرائيل للفلسطينيين. لكن سوريا ، كما يرى تقرير التايمز، تبقى الجائزة الحقيقية.
وقال عمر أونهون، آخر سفير لتركيا في سوريا (2012)، للصحيفة: "المصالحة مع مصر تجعل الدبلوماسيين سعداء، لكن بالنسبة للناس العاديين، فهي ليست مهمة. سوريا فريدة من نوعها لأن مشاكلها تؤثر على الناس في الشارع في تركيا بشكل مباشر وخاصة قضية اللاجئين. قد يؤثر ذلك حتى على كيفية تصويت الناس".
واعتبرت التايمز أن عمق وتعقيد الصدع، الذي يشمل دعم تركيا للميليشيات الإسلامية وتعاون الأسد مع المقاتلين الأكراد، يعني أن المصالحة الكاملة ستكون عملية طويلة وصعبة. ومن غير المرجح أن يغادر اللاجئون تركيا بسرعة، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق.
وأضاف أونهون: "ليس لتركيا تحديد متى وكيف ينبغي أن يعودوا. سوريا هي مصدر المشكلة وستكون أيضاً مصدر الحل. لكن النظام وعقليته لا تزال كما كانت في عام 2011".
عامُ التحوّلات.. هل سيشهد العام ٢٠٢٣ إنفراجةً أم مزيداً من التوتر على الساحة العالمية؟:
إن الإجابة على هذا التساؤل يطرح احتمالات لا نهاية لها، ففي السياسة كل شيء ممكن، و لا يمكن الجزم بمدى اتجاه الأوضاع العالمية نحو التهدئة أو التصعيد، إذ أن كل احتمالات التصعيد أو عدمه تنطوي على مؤشرات كثيرة يصعب إحصائها و حصرها هنا، خصوصاً أن الكثير من المعالم السياسية لا تزال جامدة او غير واضحة، و هذا ما يجعل قراءة المستقبل و استشرافه أمرا في غاية الدقة و الحساسية.
فالوضع في أوكرانيا على سبيل المثال يتأرجح بين احتمالين منذ بداية الحرب، إما المفاوضات و إما تصاعد الأعمال العسكرية، و إن المؤشرات او العوامل التي يمكن أن تساهم في إيثارِ خيار على آخر تتعدد و تتشعب بما يجعل عملية حسم مصير النزاع في أوكرانيا مسألة صعبة المنال على الأقل خلال المدى المنظور.
فحسم قرار وقف الحرب او استمرارها لا يتوقف على روسيا و أوكرانيا فحسب، بل على جميع اللاعبين الآخرين الدين دخلوا على خط الصراع في أوكرانيا، و أهمهم الولايات المتحدة الأمريكية و حلف الناتو، و أما بالنسبة للمسألة السورية، فإن حلها من عدمه يتطلب أولا حل الأزمة الأوكرانية لكي تكون الدول الفاعلة و المؤثرة في الساحة السورية قادرة على الجلوس مع خصومها على طاولة المفاوضات و تحديد مواقفها بشكل واضح و جليّ، بما يساعد على تحديد وجهات النظر المختلفة و بحث و دراسة مخاوف كل طرف و العمل على إزالة حواجز عدم الثقة و التوتر في العلاقات بين جميع أطراف العملية السياسية في سوريا.
حتى إن التوتر الذي حصل في كوسوفو، يرتبط بتحريك الروس للصرب للقيام بأعمال تتسبب باضطرابات في الأمن و الاستقرار في منطقة البلقان، بما يشكل ضغطاً على حلف الناتو الذي ينتشر في صربيا عسكرياً لحفظ الأمن ضد محاولات الصرب لإعادة ضم إقليم كوسوفو الذي استقل عن صربيا بعد أعمال عنف عسكرية انتهت بتدخل حلف شمال الأطلسي و انتشاره في منطقة البلقان.
و إن هذا التداخل و التضارب في العوامل المؤثرة في كافة المسائل التي ستحكم مصير العام الجديد يجعل من الصعب استقراء مستقبل الأحداث بدقة و بشكل منظم، و يبقى الخيار الوحيد هو انتظار مآلات الأمور و الأحداث المتواترة في المستقبل القريب علّها تُمكننا من وضع أرضية مناسبة تساعد في استقراء مستقبل أحداث العام الجديد.