بيل غيتس و توقعات الأوبىئة: تكهناك أو دراسات علمية؟ أم هو ضالع في صناعة الفيروسات؟

 

 

تقرير - مروة شاهين - بث:
منذ اشتهاره خلال الثمانينات أصبحت آراء وتوقّعات بيل غيتس تؤخذ على محمل الجدّ نظرًا لدقّتها.
في عام 1999 ألّف كتابًا بعنوان الأعمال بسرعة الخاطرة   والذي ذكر فيه 15 توقّعًا حول مستقبل استخدام التكنولوجيا حيث كانت هذه التوقّعات حينها جريئة للغاية وفيها مخاطرة كبيرة، لكننا نجد في يومنا هذا أنّ جميع هذه التوقعات قد تحقّقت بالفعل.
و لم تقتصر توقعات بيل غيتس على عالم التكنولوجيا و الاعمال فقط، بل امتدت الى المجال الصحي و علم الأوبئة و الإرهاب.

بيل غيتس و هوس الاوبىة

يُعد بيل غيتس من أهم الذين تحدثوا عن خطر الارهاب البيولوجي او ما يُعرف بحرب الأوبئة، و يعدّ هذا التنبؤ أيضًا أحد أعظم توقّعات بيل غيتس للمستقبل، الذي وضّح في 2017 خلال مؤتمر عُقد في ميونخ، أنّه وفي عام 2030 قد يشهد العالم هجومًا إرهابيا بيولوجيًا (يكون في شكل فيروس قاتل )، وأوضح أنّ مثل هذا الهجوم قد يودي بحياة أكثر من 30 مليون شخص خلال عام واحد فقط. وجاء توقّعه هذا بناءً على مراجع زوّده بها خبراء في مجال الأوبئة، بحسب قوله.

التنبؤ بجائحة كورونا

كان غيتس قد حذر قبل 6 سنوات من أن العالم غير مستعد لمواجهة الوباء المقبل، وعاد تحذيره للظهور مع انتشار جائحة فيروس كورونا في مطلع عام 2020.
وأكد غيتس في لقاء مع مركز أبحاث بالمملكة المتحدة، إنه في عام 2015، قلت وكتبت عدة مرات عن عدم استعدادنا للوباء المقبل، وللأسف قد حدث، مشيرا إلى الخسائر البشرية والمالية الكبيرة إثر جائحة كورونا.
وأضاف: «أتوقع أن يؤدي ذلك إلى تركيز ميزانيات الأبحاث والتطوير على أشياء لم تكن موجودة اليوم، لم يكن لدينا لقاحات تمنع انتقال العدوى، لدينا لقاحات تساعد صحتنا ولكنها تقلل فقط انتقال العدوى، نحتاج طريقة جديدة لصناعة اللقاحات.

حديثه عن مرض الجدري؛ أيُعقل أن كلّ هذه مصادفات؟

تحدث غيتس عن امكانية حدوث وباء مقبل ، غير فيروس كورونا، و قد لمّح تحديداً الى مرض الجدري قائلاً «أتمنى أنه في غضون 5 سنوات أستطيع كتابة كتاب بعنوان (نحن مستعدون للوباء المقبل)، ولكن الأمر يحتاج عشرات مليارات الدولارات للأبحاث والتطوير، وسيحتاج مليار دولار سنويا لتشكيل قوة عمل لمواجهة الأوبئة على مستوى منظمة الصحة العالمية، تقوم بالمراقبة وتقوم بما أسميه لعبة الجراثيم، حيث يمكنك أن تتدرب وتقول ماذا لو حدث هجوم إرهابي بيولوجي بالجدري على 10 مطارات؟ كيف سيواجه العالم ذلك؟».
وأكد غيتس أن التطورات الطبية يجب أن توفر  الوسائل التي تجعلنا نواجه بشكل أفضل وقال: «هناك أوبئة ناجمة عن الطبيعة، وهناك أوبئة قد تنجم عن إرهاب بيولوجي وتكون أسوأ بكثير مما نمر به الآن».

نظرية المؤامرة: اوبئة طبيعية ام حرب بيولوجية؟

لم يكن بيل غيتس وحده من تحدث عن امكانية نشأة فايروس كورونا، فقد كتب المؤلف دين كونتز روايته بعنوان عيون الظلام عام 1981، وتنبأ فيها بانتشار الفيروس التاجي وأسماه ووهان-400، وهي المدينة الصينية نفسها التي انطلق منها فيروس كورونا نهاية العام الماضي.
ونشأ الفيروس في الرواية في مختبرات خارج ووهان لاستخدامها كسلاح بيولوجي قادر على قتل كل من يصيبه بنسبة 100%، وبالفعل قضى الفيروس على عدد كبير من سكان المدينة خلال تسعة أيام، بحسب الرواية.

تقارير علمية أيدت احتمالية وقوع الكارثة

في وقت سابق نشرت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأميركية (سي دي سي)، تقريرا يحث فيه نظام الصحة العامة في أميركا ومقدمي الرعاية الصحية الأولية على الاستعداد للتعامل مع هجمات الأوبئة البيولوجية المختلفة، بما في ذلك مسببات الأمراض التي نادرا ما تظهر في الولايات المتحدة.
و كان تقرير المراكز تابعا لظهور عدد قليل جدا من حالات الإصابة بالطاعون في أميركا، من سلالات مقاومة للمضادات الحيوية المعتمدة لعلاج الطاعون، مما جعل المراكز تحذر من الطاعون والجمرة الخبيثة والإيبولا والجدري والحمى الفيروسية، وإمكانية استخدامها سلاحا بيولوجيا، مستخدمين سيناريو قديما لباحثي منظمة الصحة العالمية، يفيد بأنه إذا حلقت طائرة محملة بـ50 كيلوغراما من مسببات الطاعون فوق مدينة نيويورك، ستخلف 150 ألف إصابة مؤكدة، ولكن لم يتوقع المركز أن يكون الوباء الجديد على هيئة فيروس يسافر أميالا وينتشر في الهواء كفيروس كورونا.

الدراسات العلمية: لا مفر من أوبئة جديدة بسبب التغير المناخي

كشفت دراسة جديدة أن تغير المناخ سيؤدي إلى انتشار آلاف الفيروسات والأوبئة الجديدة بين أنواع الحيوانات بحلول عام 2070، ومن المرجح أن يزيد ذلك من خطر ظهور الأمراض المعدية التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر.
واستخدم الباحثون، الذين نشروا النتائج التي توصلوا إليها في مجلة "الطبيعة"، نموذجا لفحص كيف يمكن أن يهاجر أكثر من 3 آلاف نوع من الثدييات ومشاركة الفيروسات على مدار الخمسين عاما المقبلة إذا ارتفعت درجة حرارة العالم بمقدار درجتين مئويتين 3.6 درجة فهرنهايت، وهو بحث حديث يشير إلى إمكانية حدوث "الفرضية".
وأوضح الباحثون أنّ جميع الفيروسات لن تنتقل إلى البشر أو تصبح أوبئة بحجم فيروس كورونا، لكن عدد الفيروسات عبر الأنواع يزيد من خطر انتشارها إلى البشر. 
وتبرز الدراسة أزمتين عالميتين، هما: تغير المناخ وانتشار الأمراض المعدية، فيما يعاني العالم بالفعل منهما الآن.

اقتصاد اللقاحات: ارباح هائلة لشركات الادوية، و فرضية "تجارة الاوبىة"

حقق اللقاح لشركة فايزر أكثر مما در على أي منافس آخر مع 10,8 مليارات دولار (حوالى 9,2 مليارات يورو) في النصف الأول من عام 2021، ومنذ ذلك الوقت بدأت بجني معظم مبيعات هذا العلاج.
و في النصف الأول من العام، حققت موديرنا التي يُعد لقاحها أول منتج متداول لها، مثل بايونتيك، مبيعات بقيمة 5,9 مليارات دولار، أي حوالي خمسة مليارات يورو.
وأعلنت شركة أسترازينيكا عن تحقيق إيرادات من لقاحها  1,17 مليار دولار (مليار يورو) في النصف الأول من العام.
ودافع البرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة فايزر عن أرباح شركة فايزر من اللقاح، حيث أشار إلى أنه في الدول الفقيرة التي لا تستطيع تحمل التكلفة البالغة أقل من 20 دولاراً للجرعة، يتم توفير اللقاح بسعر التكلفة. كما قال بورلا أيضاً إنه على عكس بعض الشركات الأخرى، لم تأخذ شركة فايزر أي من أموال دافعي الضرائب لتطوير لقاحها وتحمّلت جميع المخاطر باستثمار يتراوح بين مليار دولار وملياري دولار في البحث والتطوير.

الخسائر الاقتصادية العالمية تُعاكس فرضية "الربح من فايروس كورونا"

قدر صندوق النقد الدولي خسائر الاقتصاد العالمي جراء جائحة كورونا بنحو 15 تريليون دولار حتى نهاية 2024، بما يعادل 2.8 بالمئة من إجمالي الناتج العالمي.
وقال النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي، جيفري أوكاموتو، في بيان عبر الموقع الإلكتروني للصندوق، ، إن «الإصلاحات الداعمة للنمو تم تأجيلها، إن لم يكن قد تم التراجع عنها، وأن الاقتصادات أصيبت ببعض الندوب الغائرة».
ومنذ مارس/ آذار 2020، أنفقت الحكومات نحو 16 تريليون دولار لتقديم الدعم المالي أثناء الجائحة.
وكانت البنوك المركزية على مستوى العالم زادت ميزانياتها العمومية بقيمة مجمعة قدرها 7.5 تريليون دولار لمواجهة الجائحة، وضخت سيولة في 2020 فقط تتجاوز ما ضخته في السنوات العشر الماضية مجتمعة.
وقال أوكاموتو، إن «الطاقة التي وجهت للإنفاق على عمليات التطعيم وخطط التعافي ينبغي أن توجه هي نفسها إلى التدابير الداعمة للنمو من أجل تعويض هذه الخسارة».
وأوضح المسؤول في المؤسسة المالية الدولية أن التعافي من الأزمة سيستغرق سنوات بالنسبة لمعظم البلدان.
وأضاف أن التحدي الأساسي أمام هذا الجيل من صناع السياسات يتمثل في الجمع بين الإصلاحات الداعمة للنمو والإنفاق من أجل التعافي، لتحقيق الرخاء المأمول.

توقعات بيل غيتس: مجرد بديهيات، و الخسائر تفوق الأرباح بكثير

إذاً، نستنتج بعد كل ما ذكرناه أن بيل غيتس لم يكن الوحيد الذي نبه العالم الى احتمالية انتشار أوبئة جديدة، بل إن كل ما فعله غيتس في الحقيقة هو لفت انتباه العالم الى التقارير و الدراسات العلمية الحديثة التي تجاهلها الكثيرون و التي حذرت البشرية من خطر الاوبئة.
فالأوبئة ظهرت منذ مئات السنين، و لا شك إن الإنسان استطاع بفضل التطور العلمي ان يطور هذه الفيروسات و يتحكم بصيرورة وجودها، و بالفعل، هناك تقارير كثيرة تحدثت عن امكانية كون فيروس كورونا قد تسرب من احدى مختبرات ووهان للبحوث البيولوجية و علوم الفيروسات، و لكن تبقى هذه تكهنات لا تثبتها ادلة دامغة، و يبقى التحليل القائل إن فيروس كورونا انتقل من الحيوانات الى الانسان، و من ثم احدث انتشارا بين سكان مدينة ووهان، هو التحليل الاكثر دقة حتى اليوم على الاقل.
أما بالنسبة لمسألة الصراع البيولوجي بين القوى العالمية و استخدام الفيروسات لضرب الاقتصادات، فإن العولمة الاقتصاي تَدحض هذه الفرضية، فالاقتصاد الامريكي يعتمد على الاقتصاد الصيني الذي يعتمد بدوره على الاقتصاد الاوروبي، و بالتالي فإن الاقتصاد العالمي مرتبط ببعضه البعض ارتباطا وثيقاً يجعل اي ضرر يقع على اقتصاد في شرق العالم يؤثر تأثيراً سلبياً عل اقتصاد آخر في غرب العالم.
و إن كانت أرباح شركات الأدوية هائلة، فإنها مهما بلغت، لن تستطيع أن تعوض الاقتصاد العالمي عن خسائر تقدر بخمسة عشر ترليون دولار أمريكي تسببت بها الجائحة، و لهذا و مع كون بعض الجهات مستفيدة نسبية من الجائحة إلا أن فرضية اختلاق الأوبئة عن قصد تبقى ضعيفة مقابل الدراسات العلمية التي حذرت من الجائحة قبل وقوعها، إضافة الى التغير المناخي و ازدياد نسب التلوث و النفايات السامة التي تؤثر تأثيرا مباشرة في البيئة المحيطة بالكائنات الحية، مما يشكل بيئة خصبة لنشأة و تطور الفيروسات التي قد تتطور لاحقاً لتصبح جائحة عالمية كما حدث مع فايروس كورونا.