الانتخابات الجزائرية : تمرير للدستور.. ( خبراء يتحدثون لـ بث)
بث - الجزائر- لويزة قادري:
مقاطعة قاسية اسفرت عنها مشاركة ضعيفة شهدتها الانتخابات الجزائرية بما يخص الاستفتاء على الدستور،هذا الاخير تعتبره الحكومة الجزائرية يمثل نقطة انطلاق لبرنامج الإصلاح السياسي الشامل الذي تقره من أجل تأسيس مايطلق عليه بالجزائر الجديدة.
انتخابات اختير لها يوم يشهد له التاريخ الجزائري بعظمته وقيمته عند الشعب والحكومة، فالأوّل من نوفمبر/ تشرين الثاني هو “عيد الثورة” ذكرى اندلاع حرب الاستقلال ضدّ الاستعمار الفرنسي (1954-1962).
موعد مقصود اختارته السلطة الجزائرية وعملت على ان يكون يوم مشهودا للتغيير، وعهدا جديدا يخدم تطلعات الجزائر الجديدة بعد حراك 22 فبراير، هذا حسب تصريح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسميّة مساء السبت، أنّ “الشعب الجزائري سيكون مرّة أخرى على موعد مع التاريخ، من أجل التغيير الحقيقي المنشود، من خلال الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، من أجل التأسيس لعهد جديد يُحقّق آمال الأمّة وتطلّعات شعبنا الكريم إلى دولة قويّة عصريّة وديمقراطيّة”.
يقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر بسكرة، مصطفى بخوش ” اعتقد ان السلطة راهنت عليه لاطلاق مشروع مؤسسي جديد يمكن من اعادة هندسة مختلف مؤسسات الدولة وفق علاقات قوة جديدة تسمح بالتأسيس لما أطلق عليه الجزائر الجديدة تسترجع فيه الدولة هيبتها وتتخلص من الفساد الذي هيمن على مؤسساتها خلال المرحلة السابقة. غير أن التوقيت الذي تم اختياره للاستفتاء وطريقة تسويقه خلقت استقطابات واصطفافات حادة حالت دون تحقيق الهدف المرجو منه”.
دستور عارضه معظم من خرجوا في الحراك الشعبي ، حيث يعتبرونه البعض واجهة اختارتها الحكومة هدفها صرف الانتباه عن استمرار سيطرة النظام القديم على السلطة. ومن أهم المواد التي جاءت في مشروع الدستور المقترح هو تحديدُ الولايات الرئاسية والبرلمانية ، حيث تم تحديد الولاية الرئاسية في عهدتين فقط وإدراجها في إطار المواد غير القابلة للتعديل ، إلى جانب مادة تمنح رئيس الجمهورية صلاحية إرسال قوات من الجيش إلى خارج البلاد بعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان ، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الجزائر. وقد تم ادراج الأمازيغية ضمن المواد الدستورية غير القابلة للتعديل. كما ينص الدستور لأول مرة على تأسيس محكمة دستورية بدلا من المجلس الدستوري، ومنحها حق الرقابة على القرارات المتخذة في الحالات الاستثنائية.
وفي نفس الوقت تضمنت ديباجة الدستور إشارة إلى حراك 22 فبراير 2019، في فقرة تم صياغتها بالشكل التالي: “يُعبّر الشعب عن حرصه لترجمة طموحاته في هذا الدستور بإحداث تحولات اجتماعية وسياسية عميقة من أجل بناء جزائر جديدة، طالب بها سلميا من خلال الحراك الشعبي الأصيل الذي انطلق في 22 فبراير 2019”.
وقد أعلن الاثنين رئيس السلطة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات في الجزائر محمد شرفي أن 66,8% من الناخبين الجزائريين صوتوا بـ”نعم” على الاستفتاء حول تعديل الدستور الجزائري في حين صوت 33,20% من الناخبين بـ”لا”.
أثارت هاته المشاركة الهزيلة في انتخابات الاستفتاء الجزائرية ، العديد من التساؤلات بشأن الدوافع التي أدت الى المقاطعة، وأهم التداعيات المحتملة للمشهد السياسي في البلد. حيث يحمل ارتفاع نسبة المقاطعة (76٫3%) وانخفاض نسبة المشاركة (23,7%) دلالات سياسية مهمة يجب الانتباه لها.
حسب المحلل السياسي بخوش ، الذي يعتبر ان هاته الانتخابات قد زادت حالة الاحباط في اوساط الجزائريين وفقدانهم الأمل في امكانية تحقيق تغيير حقيقي عبر الٱليات التقليدية.
” تراجع الشغف بالانتخابات كٱلية من اليات المشاركة السياسية بسبب الشكوك التي تحوم بشأن نزاهتها وشفافيتها ومصداقية نتائجها. وبالتالي فقدان الثقة في الطبقة السياسية التقليدية وعدم قدرتها على تعبئة وتجنيد الرأي العام وهو ما يوحي بإنتهاء دورها وضرورة فسح المجال لقوى سياسية جديدة تضمن استرجاع العملية السياسية لديناميكياتها.” يقول بخوش .
ان نسبة المشاركة التي لم تتعدى ربع الهيئة الناخبة يطرح بشكل اساسي الرسائل الشعبية من جهة و من جهة اخرى اشكالية المقاطعة التي تدخل ضمن العزوف الانتخابي، حسب المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بكلية الاعلام والاتصال بجامعة محمد خيضربسكرة فؤاد جدو , حيث يقول ان من الضروري اعادة النظر في النظام الانتخابي الذي يعتمد اي نتيجة مهما كانت نسبة المشاركة ، وبالتالي لا بد من اعادة هندسة نظام انتخابي يضمن تعبير حقيقي للارادة الشعبية التي تضمن الاغلبية.
وفي قراءة للاحصائيات يرى جدو ان المقاطعين يعتبرون مصوتين بنعم لان هذا استفتاء و بالتالي رغم انهم قاطعوا الا انهم رجحوا كفة نعم , وان اعادة تموقع الاحزاب القديمة للمشهد السياسي احد اسباب العزوف الانتخابي لانها تفقد مصداقية اي مشروع حتى و ان كان سليما.
واوضح في نفس السياق أن من بين الاسباب التي أدت الى المقاطعة تعامل الكثير من المسؤولين مع الشعب من خلال تصريحات مستفزة ، وغياب الاولوية التي يجب ان تقوم على اعادة تشكيل المؤسسات الاخرى خاصة البرلمان و تغيير الخريطة السياسية من تحيين الاحزاب السابقة و فتح المجال للشباب و الكفاءات الوطنية مع ابقاء الجدل على الهوية كمحور اساسي للدستور.
من جهة أخرى ، يعتقد بخوش أن هذا لا يعني أبدا أن الذي حدث شيء ايجابي بالضرورة بل ربما يكون العكس هو الصحيح. ففي ظل غياب مشروع سياسي بديل وعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة لا تتوقف فقط عند الدعوة للمقاطعة بل تتجاوزه لوضع خارطة طريقة واضحة ومتفق عليها تسعى لتحقيق أهداف محددة في ٱجال معينة ووفق مؤشرات أداء دقيقة ستبقى الجزائر تدور في حلقة مفرغة تكتفي فيها قوى التغيير بالمقاطعة لتسمح للنظام بتجديد نفسه وتمنح له فرصة جديدة للاستمرار.
وقد غاب رئيس الجمهورية تبون عبد المجيد عن الانتخابات، بعدما نُقل إلى ألمانيا الأربعاء لإجراء فحوص طبّيّة ،إثر أنباء عن الاشتباه في إصابة محيطين به بكوفيد-19، وقد أوضحت الرئاسة أنّ حالته “مستقرّة وغير مقلقة”.رغم تغيبه عن المشهد الانتخابي، فقد حرص تبون أن تكون المرحلة القادمة ثمرة أولى للتغيير الذي نادى به الحراك, هذا حسب أخر رسائله التي نشرتها وكالة الانباء الجزائرية قبيل الاستفتاء.
يعتقد بخوش ان لرئيس الجمهورية أجندة متكاملة بخصوص مختلف الهيئات ، حيث يقول : ” الأكيد أنه ينوي ضخ دماء جديد فيها وتجديدها بدءا بالحكومة خصوصا الوزراء الذين فشلوا في خرجاتهم خلال حملة التسويق للدستور الجديد ومرورا بالمجلس الشعبي الوطني الذي اعتقد انه سيلجأ الى حله مباشرة بعد تعديل قانون الانتخابات”.
في حين يقول فؤاد جدو أنه مهما كانت النتيجة فان عملية التغيير تتطلب المزيد من الجهد و الاستشراف و الارادة الفعلية لتحقيق ذلك الامر المنشود و الا فاننا سنبقى في مكاننا شعبا و سلطة.
بينما بخوش يعتقد أن مخرجات الاستفتاء ستؤسس للجزائر الجديدة فعلا ، لكنها بكل تأكيد ليست جديدة على الطريقة التي تريدها العصب المتنفذة والمهيمنة على مؤسسات الدولة. فطريقة تمرير الدستور الجديد واعتماده ستزيد في عزلة السلطة وعصبها وتجردهم أكثر من وسائل العمل لتزداد بذلك عملية التٱكل الذاتي للنظام ويقترب أكثر من نهايته لتكون هي لحظة ميلاد الجزائر الجديدة.
ويضيف قائلا :” أنا مقتنع أن نوفمبر كان دائما محطة مفصلية في تاريخنا وبعد نتائج الاستفتاء المعلن عنها الاثنين تمايزت الصفوف واتضحت الاصطفافات والأكيد سيكون لها في قادم الأيام ما بعدها. لذلك انا متفائل بنوفمبر الذي يمكن أن يشكل مرة جديدة فرصة لأن ينخرط الشباب لاطلاق مشروع سياسي بديل قادر على اعادة قطار الجزائر لسكة التحرر من الحاجة ومن الخوف ولتعود من جديد للعب دورها الاقليمي والدولي كقوة صاعدة” .
وفي ظل جائحة كورونا التي كانت سببا فعليا في توقف الحراك الشعبي ,وحكومة مرفوضة من البعض ، وتباين الاراء بين الاحزاب السياسية ، تبقى الارادة الشعبية تندد بضرورة احترام مطالب الحراك، وعدم الثقة الكاملة في ما تحاول الدولة القيام به , متخوفين من أن كل ما يرونه هو تغيير في الواجهة ،و قد يرجع الجزائر الى ماكانت عليه في السنوات الماضية .
فهل سنشهد عودة الحراك الجزائري في قادم الايام مع مطالب مختلفة وأفكار منددة, رغم استمرارالسلطة وعدم اكتراثها بالمقاطعة عن طريق تمريرها للدستور رغم هشاشة المشاركة والرفض الشعبي ؟