
إعداد قسم الإعلام الإستراتيجي بوكالة بث:
الموضوع يعكس بعمق التحولات الكبرى في النظام الدولي، خصوصًا في ظل إعادة المعايرة العالمية، وتأثيرات MAGA، وتكتيكات الحروب التجارية على الشرق الأوسط والعالم. هناك عدة زوايا يمكن تحليلها من خلالها.
للإحاطة بالموضوع – تفصيلات
باللغة العربية
إعادة المعايرة العالمية: MAGA، الحروب التجارية، والخيارات الصعبة في الشرق الأوسط
باللغة الإنجليزية
The Global Recalibration: MAGA, Trade Wars, and the Middle East’s Hard Choices
__________________
هذه قراءة تحليلية تجمع بين السيناريوهات المحتملة والاتجاهات المستقبلية:
- هل ستتلاقى المصالح الأمريكية مع المصالح العربية والعالم؟
المصالح الأمريكية، وفقًا لنهج ترامب التسارعي، أصبحت براغماتية بحتة، حيث لم تعد الولايات المتحدة تنظر إلى التحالفات التقليدية كمسلمات، بل باتت تربطها بالمقابل الاقتصادي أو السياسي. هذا يخلق مساحة للتفاوض، لكنه أيضًا يضع الدول الحليفة أمام ضغوط غير مسبوقة، إذ لم تعد العلاقات قائمة على الثقة المتبادلة بل على التكلفة والمكسب.
في الخليج العربي: هناك تقاطع مصالح فيما يخص الأمن الإقليمي والاستقرار النفطي، لكن السعودية والإمارات تدركان أن أي صفقة أمنية أمريكية بدون دعم من الكونغرس ستكون هشة ومؤقتة. لذا، سيكون من مصلحتهما ضمان اتفاقات طويلة الأمد بدلًا من حلول قصيرة المدى قد تنهار بتغير الإدارة الأمريكية.
بالنسبة للصين وروسيا: تتلاقى المصالح في رفض الهيمنة الأمريكية الجديدة، لكن هذا لا يعني مواجهة مباشرة، بل إعادة تشكيل ميزان القوى من خلال شراكات تجارية وأمنية، وهو ما بدأت به الصين عبر مبادرة الحزام والطريق.
2- هل ستحدث مواءمة أم رفض؟
هناك سيناريوهان رئيسيان:
سيناريو المواءمة المشروطة
بعض الدول ستقبل الواقع الجديد لكنها ستسعى للحصول على تنازلات استراتيجية من واشنطن.
السعودية، نعتقد أنها لن ترفض الانخراط في رؤية أمريكية جديدة، لكنها ستفرض شروطها الأمنية، بما في ذلك ضمان التزام الولايات المتحدة بتعهداتها.
أوروبا قد تواكب السياسة الأمريكية بحذر، لكنها لن تتخلى عن نهجها التقليدي المبني على القوة الناعمة، وقد تستفيد الصين وروسيا من هذا التباين لتوسيع نفوذهما.
سيناريو الرفض والتكتلات البديلة
بعض الدول ستعتبر أن السياسة الأمريكية لم تعد تمثل حليفًا موثوقًا، مما يدفعها لتوسيع علاقاتها مع قوى أخرى (مثل الصين وروسيا).
يمكن أن تظهر تحالفات جديدة قائمة على المصالح الاقتصادية المشتركة بعيدًا عن النفوذ الأمريكي.
قد تتحرك السعودية والإمارات ومصر نحو استراتيجية استقلال أمني وسياسي تدريجي، بحيث لا تعتمد بالكامل على الولايات المتحدة، وهو ما يظهر في استثماراتهم الدفاعية المستقلة وتوسيع شراكاتهم الآسيوية.
3- قراءة مستقبلية: النظام العالمي إلى أين؟
هناك ثلاث مسارات رئيسية يمكن أن يسير فيها النظام العالمي:
المسار الأول: "النظام التسارعي الأمريكي"
إذا استمرت الولايات المتحدة في سياستها الحالية، فإن النظام الدولي سيتحول إلى حالة من الفوضى المُدارة، حيث ستفرض واشنطن إرادتها عبر ضغط اقتصادي وعسكري مباشر، مما سيؤدي إلى:
تقويض المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.
ظهور تحالفات انتهازية بدلاً من التحالفات طويلة الأمد.
تكريس عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وأوروبا.
المسار الثاني: "إعادة التوازن العالمي"
في هذا السيناريو، ستعمل الدول الكبرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي على تقليل الاعتماد على واشنطن، مما سيؤدي إلى:
تقوية مبادرات مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية لمنافسة النظام المالي الأمريكي.
ظهور منظومات عسكرية موازية، مثل التعاون العسكري بين الصين وروسيا وبعض دول الشرق الأوسط.
تعزيز فكرة "التعددية القطبية" بدلًا من عالم أحادي القطب تقوده واشنطن.
المسار الثالث: "حرب باردة اقتصادية"
إذا تصاعد التنافس بين القوى الكبرى، فقد نشهد حربًا باردة جديدة ولكن بأدوات اقتصادية، حيث ستتنافس القوى العالمية على:
النفوذ في الأسواق الناشئة.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كأدوات للهيمنة.
التسلح الاقتصادي من خلال فرض العقوبات والحواجز التجارية.
ما الذي يجب على السعودية ودول المنطقة فعله؟
الاستثمار في الاستقلالية الاستراتيجية: يجب على السعودية والإمارات بناء قدرات دفاعية وتقنية مستقلة تقلل من الاعتماد المطلق على واشنطن.
التوسع في العلاقات التجارية المتعددة: تعزيز الشراكات مع الصين والهند وأوروبا لمنع أي قوة واحدة من امتلاك نفوذ كبير.
التكيف مع الواقع الجديد بمرونة: على الرغم من أن العلاقة مع الولايات المتحدة ستبقى حيوية، يجب التعامل معها كشراكة متغيرة وليست تحالفًا ثابتًا.
الخلاصة
العالم يدخل في مرحلة "إعادة ضبط كبرى" للأنظمة السياسية والاقتصادية. ستبقى الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا لكنها لم تعد الشريك "الضامن" التقليدي، مما يدفع القوى الإقليمية مثل السعودية إلى اتباع نهج أكثر استقلالية وحذرًا في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
المستقبل لن يكون خاضعًا بالكامل للهيمنة الأمريكية، بل ستظهر تكتلات جديدة وقوى صاعدة، وسيكون الذكاء في إدارة التحولات بدلًا من مقاومتها بشكل غير محسوب.
هل يمكن للدول العربية استغلال هذه الفوضى العالمية لمصلحتها أم أنها ستظل رهينة للعبة الكبار؟
السؤال بصيغة أخرى : هل ستبقى المنطقة مجرد ورقة في لعبة الكبار، أم أنها ستتحول إلى لاعب مستقل قادر على استغلال الفوضى العالمية لصالحه؟
الإجابة تعتمد على قدرة الدول العربية على التحرك الاستراتيجي بذكاء ومرونة، بدلًا من البقاء في وضعية المتلقي للأحداث. وهنا سأطرح سيناريوهين أساسيين:
السيناريو الأول: استغلال الفوضى لتعزيز الاستقلالية وبناء النفوذ
هذا السيناريو يتطلب من الدول العربية، خاصة دول الخليج، تبني نهجًا براغماتيًا محسوبًا، والاستفادة من الفراغات التي تتركها القوى الكبرى، سواء كان ذلك في الاقتصاد أو السياسة أو الأمن.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟
اللعب على التنافس الأمريكي - الصيني - الروسي
الصين بحاجة إلى الطاقة الخليجية واستثمارات البنية التحتية.
أمريكا لا تزال بحاجة إلى التحالفات الأمنية والاستقرار في المنطقة.
روسيا تبحث عن شركاء اقتصاديين وأمنيين مع تراجع نفوذها في أوروبا.
الحل: تبنّي سياسة متوازنة بين القوى الكبرى، بحيث تكون الدول العربية شريكًا استراتيجيًا للجميع، لا تابعًا لأحد.
بناء تحالفات عربية وإقليمية جديدة
التحالف بين دول الخليج ، مصر، والأردن يمكن أن يشكل نواة لقوة إقليمية مستقلة قادرة على اتخاذ قرارات دون إملاءات خارجية.
تطوير التعاون الأمني والعسكري العربي عبر استثمارات دفاعية تعزز الاستقلال عن الضمانات الغربية.
تحالفات مع إفريقيا وجنوب آسيا تعزز النفوذ العربي اقتصاديًا وسياسيًا.
الاستثمار في التكنولوجيا والاستقلال الاقتصادي
المستقبل يعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أكثر من النفط وحده.
الدول العربية يجب أن تستثمر في الصناعات المستقبلية بدلًا من الاعتماد الدائم على الاقتصاد الريعي.
دعم المشاريع الناشئة، والابتكار في الأمن السيبراني، والاستقلال في سلاسل التوريد سيجعل المنطقة أقل عرضة للابتزاز الاقتصادي.
تبني سياسة "عدم الانحياز الذكي"
لا يجب أن يكون التحالف مع أمريكا على حساب الصين، أو العكس.
الدول العربية يمكنها أن تلعب دور "الوسيط الموثوق"، كما تفعل السعودية في تقريب وجهات النظر بين الدول الكبرى، بدلًا من أن تكون أداة في يد أي منها.
السيناريو الثاني: البقاء رهينة لعبة الكبار
في هذا السيناريو، تستمر الدول العربية في التعامل بردّ الفعل، بدلًا من استباق الأحداث وصياغة سياساتها بنفسها. النتائج ستكون خطيرة:
الاعتماد الكامل على القوى الكبرى
إذا ظلت الدول العربية تعتمد على الضمانات الأمريكية فقط، فستجد نفسها رهينة للابتزاز السياسي.
إذا انحازت كليًا للصين أو روسيا، فقد تتعرض لعقوبات غربية تجعلها في عزلة اقتصادية.
عدم بناء القدرات الدفاعية المستقلة
استمرار الاعتماد على الحماية الخارجية يعني أن أي تغيّر في الموقف الأمريكي سيجعل الدول العربية مكشوفة أمنيًا.
الحل: تعزيز الصناعات العسكرية والتكنولوجية المحلية، كما بدأت السعودية بالفعل في مشاريع مثل الصناعات الدفاعية السعودية (SAMI).
عدم استغلال الفرص الاقتصادية الناشئة
مع تغير الاقتصاد العالمي، لا يمكن للدول العربية الاستمرار في تصدير النفط فقط دون الاستثمار في البدائل.
عدم الانخراط في الثورة الرقمية والاقتصاد الأخضر سيؤدي إلى فقدان فرص النمو والتنويع.
التعامل بردود فعل بدلًا من بناء استراتيجيات طويلة الأمد
إذا استمرت الدول العربية في انتظار القرارات القادمة من واشنطن أو بكين دون أن تضع خططها الخاصة، فستظل تتبع تحولات السياسة الدولية بدلًا من قيادتها.
أي السيناريوهين هو الأقرب للحدوث؟
🔹 الواقع اليوم يشير إلى أن بعض الدول العربية بدأت بالفعل بالتحرك نحو السيناريو الأول، خاصة السعودية والإمارات، اللتين تنتهجان استراتيجية استقلال محسوبة من خلال:
تعزيز التحالفات الاقتصادية مع الصين والهند، مع الاحتفاظ بعلاقات قوية مع الغرب.
بناء صناعات عسكرية وتقنية، مثل مشاريع الدفاع والطاقة المتجددة.
تبني رؤية 2030 في السعودية، التي تهدف إلى جعل الاقتصاد أقل اعتمادًا على النفط وأكثر تنوعًا.
🔹 لكن بعض الدول لا تزال محاصرة في السيناريو الثاني، حيث تعتمد بشكل مفرط على القوى الكبرى دون بناء قدرات ذاتية.
كيف يمكن للدول العربية ضمان أنها ليست مجرد بيادق في اللعبة؟
امتلاك أجندة مستقلة: عدم السماح لأي قوة بفرض إملاءاتها دون مقابل واضح.
تعدد الشراكات الدولية: التعاون مع الصين وأمريكا وروسيا والهند وأوروبا بدلًا من التحالف المطلق مع طرف واحد.
الاستثمار في التصنيع والتكنولوجيا: لتأمين الاستقلالية الاقتصادية والأمنية.
تحقيق الاكتفاء الذاتي النسبي: في الغذاء، الطاقة، والتكنولوجيا.
استثمار الفوضى العالمية بحكمة: الدول الكبرى نفسها في حالة اضطراب، مما يعطي فرصة للدول النامية لإعادة التفاوض على مواقعها في النظام العالمي.
الخلاصة: هل الفوضى فرصة أم تهديد؟
🔹 إذا أحسنت الدول العربية استغلال التحولات العالمية، فقد تكون هذه الفوضى فرصة ذهبية لتحقيق الاستقلالية والازدهار.
🔹 أما إذا استمرت في اتباع القوى الكبرى دون تخطيط استراتيجي، فستظل رهينة لمصالح الآخرين.
القرار بيد القيادات العربية: هل تريد أن تكون المنطقة لاعبًا عالميًا أم مجرد ساحة للصراعات الدولية؟